وكان ابن مسعود يقرأ " وإذْ قال ربُّكُمْ " والمعنى واحد.
فيقال :" لَئِنْ شَكرْتُم " نعمتي، وآمنتم، وأطعتم :" لأزيدَنَّكُم " في النعمة.
وقيل : لئن شكرتم بالطَّاعة " لأزيدنكم " في الثواب.
والآية نصُّ في أنَّ الشكر سبب المزيد :" ولَئِنْ كَفرتُمْ " نعتمي فجحدتموها، ولم تشكروها :" إنَّ عذَابِي لشَديدٌ ".
وقيل : المراد الكفر ؛ لأن كفران النعمة لا يحصل إلا عند الجهل بكون تلك النعمة من الله ـ تعالى ـ.
قوله :﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا ااْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي : غني عن خلقه حميد محمود في أفعاله.
والمعنى : أن منافع الشكر ومضار الكفر لا تعود إلا إلى الشَّاكر والكافر، أمَّا المعبود والمشكور فإنَّه متعالٍ عن أن ينتفع بالشُّكر، أو يستضر بالكفران، فلا حرم قال تعالى :﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا ااْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
والغرض منه : بيان أنه ـ تعالى ـ إنَّما أمر بهذه الطَّاعات لمنافع عائدة إلى العابد لا إلى المعبود.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٣٥
ثم قال :﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ الآية النَّبأ : الخبر، والجمع الانباء ؛ قال الشاعر :[الوافر] ٣١٩٦ـ ألَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي
........................
قال أبو مسلم :" يحتمل أن يكون خطاباً من موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ [لقومه، يخوفهم بمثل هلاك من تقدمهم، ويجوز أن يكون مخاطبة من الله تعال على لسان موسى ـ عليه السلام ـ] لقومه : يذكرهم أمر القرون الأولى ؛ ليعتبروا بأحوال المتقدمين.
روي عن عبد الله ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قرأ هذه الآية ثمَّ قال :" كَذبَ النَّسَّابُونَ ".
وعن عبدالله بن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قال : بين إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبين عدنان ثلاثون [أباً] لا يعلمهم إلا الله وكان مالك ابن أنس ـ رضي الله عنه ـ يكره أن يسنب الإنسانت [نفسه أباً أباً] إلى آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وكذلك في حق النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ؛ لأنه لايعلم أولئك الآباء أحد إلا الله تعالى، ونظيره : قوله تعالى ﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾ [الفرقان : ٣٨] وقوله :﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر : ٧٨] وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في نسبه لا يجاوز معد بن عدنان.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" تَعلَّمُوا من أنْسَابِكُم ما تصلُونَ بِه أرحَامَكُمْ وتعلمُوا مِنَ النُّجُوم ما تَسْتدِلُّونَ بِهِ على الطَّريقِ ".
٣٤٤
وقيل : المراد بقولهم :" لا يَعْلمُهمْ " أي : عددهم، وأعمارهم، وكيفياتهم.
وقال عروة بن الزبير :" ما وجدنا أحداً يعرف ما بين عدنان، وإسماعيل ".
قوله :" قَوم نُوحٍ " بدل، أو عطف.
قوله :﴿وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ " يجوز أن يكون عطفاً من الموصول الأول، أو على المبدل منه، وأن يكون مبتدأ خبره :﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ﴾، ﴿جَآءَتْهُمْ﴾ خبر آخر وعلى ما تقدم يكون :﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ﴾ حالاً من " الَّذينَ " أو من الضمير في :" مِنْ بعْدِهمْ " لوقوعه صلة ".
وهذا عَنَى أبو البقاءِ بقوله : حال من الضمير في :" مِنْ بَعْدهِمْ " ولا يريد به الضمير المجرور ؛ لأنَّ مذهبه منع الحال من المضاف، وإن كان بعضهم جوزه في صورة وجوز أيضاً هو والزمخشري :" والجملة من قوله :﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ﴾ اعتراض ".
ورد عليه أبو حيان : بأن الاعتراض إنما يكون بين جزءين، أحدهما يطلب الآخر.
ولذلك لما أعرب الزمخشريُّ :" والَّذينَ " مبتدأ، و " لا يَعْلمُهُمْ " خبره، قال :" والجملة من المبتدأ، والخبر اعتراض "، واعترضه أبو حيَّان أيضاً بما تقدَّم.
ويمكنُ أن يجاب عنه في الموضعين : بأن الزمخشري يمكن أن يعتقد أن :" جَاءَتْهُم " حال مما تقدَّم، فيكون الاعتراض واقعاً بين الحال وصاحبها، وهو كلامٌ صحيحٌ.
قوله تعالى :﴿فَرَدُّوا ااْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ﴾ يجوز أن تكون الضمائر للكفار، أي : فردّ الكفار أيديهم في أفواههم من الغيظ، لقوله :﴿عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران : ١١٩] قاله أبو عباس، وابن مسعود، والقاضي.
قال القرطبيُّ : وهذا أصح الأقوال، قال الشاعر :[الرجز]
٣٤٥
٣١٩٧ـ لَوْ أنَّ سَلْمَى أبْصرَتْ تَخَدُّدِي
ودِقَّةً في عَظْمِ سَاقِي ويَدِي
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٤٤
وبُعْدَ أهْلِي وجَفَاءَ عُوَّدِي
عَضَّتْ مِنَ الوَجْدِ بأطْرافِ اليَدِ


الصفحة التالية
Icon