أحدهما : ما تقدَّم في نظيرتها على أن تكون هي المخففة لا النَّاصبة، واسمها ضمير الشأن، وشذّ عدم الفصل بينها، وبين الجملة الفعلية.
والثاني : أنَّها ناصبة، ولكن أهلمت حملاً على " مَا " المصدرية كقراء :﴿أَن يُتِمَّ﴾ [البقرة : ٢٣٣].
برفع " يُتِمُّ " وقد تقدَّم القول فيه.
قوله تعالى :﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ الآية لما حكمة عن الكفَّارم طعنهم في النُّبوة حكى عن الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ جابهم فقالوا :﴿إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ سلموا أنَّ الأمر كذكل لكنهم بيَّنوا أن التماثل في البشرية لا يمننع من اختصاص بعض البشرِ بمنصب النبوة ؛ لأنَّ هذا المنصب يمُنُّ الله به على من يشاء من عباده، وإذا كان كذلك سقطت شبهتكم.
وأمَّا الجواب عن شبهة التقليد وهي قولهم : إطباقُ السلف لذلك الدين يدل على كونه حقًّا، فجوابه عين الجواب المذكور، وهو أنَّه لا يبعدُ أ، يظهر الرَّجل الواحد مالم يظهر للخلق الكثير ؛ لأن التمييز بين الحق، والباطل، والصدق، والكذب عطية من الله وفضل منه ؛ فلا يبعد أن يخص عبده بهذه العطية، ويحرم الجمع العظيم منها.
وأما الجواب عن الشهبة الثالثة وهي قولهم : إنا لا نرضى بهذه المعجزات التي أتيتم بها، وإنما نريد معجزات قاهرة أوقى منها، فأجابوا عنها بقولهم :﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي : أنَّ المعجزة التي أتينا بها حجة قاطعة قوية ودليل تام، وأمَّا الأشياء التي تطلبتموها، فأمور زائدة والحكم فيه لله ـ تعالى ـ فإن أظهرها فله الفضل، وإن لم يظهرها فله العدل، ولا يحكم بعد ظهور قدر الكفاية.
قوله :﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ﴾ يجوز أن يكون خبر :" كَانَ " " لَنَا "، و :" إنْ نَأيِتَكُمْ " أسمها، أي : وما كان لنا إتيانكم بسورة، و ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ حالٌ، ويجوز أن يكون الخبر ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، و " لَنا " تبين.
والظاهر أنَّ الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لما أجابوا عن شبهاتهم بهذا الجواب أخذ القوم التَّخويف، والوعيد فعند ذلك قال الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لا نخاف من تخويفكم بعد أن تولكنا على الله :﴿وَعلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
قوله :﴿وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ﴾ كقوله سبحانه :﴿وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة : ٢٤٦].
والمعنى : ما لنا أن لا نتوكل على الله، وقد عرفنا أنه لاينال شيء إلا بقضائه وقدره :﴿عَلَى مَآ آذَيْتُمُونَا﴾ بين لنا الرشد وبصرنا النجاة.
قوله :" ولنَصْبِرنَّ، جواب قسم، وقوله :﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ يجوز أن تكون " مَا " مصدرية، وهو الأرجح لعدم الحاجة إلى رابط ادعي حذفه على غير قياس.
٣٥٣


الصفحة التالية
Icon