أجَنْدَلاً يَحْملنَ أمْ حَديدَا
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٦١
٣٦٢
السادس : أن يكون التقدير : مثل أعمال الذين كفروا، أو هذه الجملة خبراً لمبتدأ، قال الزمخشريُّ.
السابع : أن يكون " مَثَلُ " مبتدأ، و " أعْمَالهُم " خبره، أي : مثل أعمالهم فحذف المضاف، و " كَرمَادٍ " على هذا خبر مبتدأ محذوف.
وقال أبو البقاءِ حين ذكر وجه البدل :" ولو كان في غير القرآن لجاز إبدال " أعْمالهُمْ " من :" الَّذينَ "، وهو بدل اشتمال ".
يعنى أنَّه كان يقرأ " أعْمَالهُمْ " مجرورة لكنَّه لم يقرأ به، " والرَّمادُ معروف وهو ما سحقته النار من الأجرام، وجمعه في الكثرة على رمُدٍ وفي القلة على أرْمِدةٍ، كجَمادٍ وجُمُد وأجْمِدَة، وجمعه على أرْمِدَاء شاذ ".
والرَّمادُ : الشبه المحكم، يقال : أرْمدَ الماءُ، أي : صار بلونِ الرَّمادِ.
والأرْمَدُ : مَا كَانَ على لَونِ الرَّمادِ، وقيل للبعوض : رمدٌ لذلك، ويقال : رمادٌ رَمْدٌ، أي : صار هباء.
قوله تعالى :﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ في محل جر صفة لـ " رَمَادٍ "، و " فِي يَوْمٍ " متعلق بـ " اشْتَدَّتْ : وفي " عَاصِفٍ " أوجه : أحدها : أنه على تقرير : عاصف ريحه، أو عاصف الريح، ثم حذف الريح وجعلت الصفة لـ " يَوْم " مجازاً، كقولهم : يَومٌ ماطرٌ، وليْلٌ قَائمٌ.
قال الهرويُّ : فحذفت لقتدم ذكرها، كما قال :[الطويل] ٣٢٠٥ـ إذَا جَاءَ يَومٌ مُظلِمُ الشَّمسِ كَاسفٌ
....................
٣٦٣
أي : كاسف الشمس.
الثاني : أنه عائد على النِّسب، أي : ذي عصوف، كلابن وتامر.
الثالث : أنه خفض على الجوار، أي : كان الأصل أن يتبع العاصف الريح في الإعراب، فيقال : اشتدت الريحُ العاصفة في يومٍ، فلمَّا وقع بعد اليوم أعرب بإعرابه، كقولهم :" جُحْرُ ضَبٍّ خربٍ ".
وفي جعل هذا من باب الفخض على الجوار نظر ؛ لأنَّ من شرطه أني يكون بحيث لو جعل صفة لما قطع عن إعرابه ليصحَّ كمثال المذكور، وهنا لو جعلت صفة للريح لم يصحَّ لتخالفها تعريفاً، وتنكيراً في هذا [التركيب] الخاص.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق :[ " يَوْمٍ عَاصفٍ " ] وهني على حذف الموصوف، اي : في يوم ريح عاصف، فحذف لفهم المعنى الدال على ذلك.
ويجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته عند من يرى ذلك نحو :" البَقْلةُ الحَمْقَاء ".
ويقال : ريحٌ عاصفٌ ومُعْصِفٌ، وأصله من العصف، وهو ما يكبر من الزرع، فقيل ذلك للريح الشديد ؛ لأنَّها تعصف، أي : تسكر ما تمرُّ به، قوله :" لاَ يَقدِرُونَ " مستأنف، ويضعف أن يكون صفة بـ " يَوْمٍ : على حذف العائدِ أي : لا يقدرون فيه، و " ممَّا كَسبُوا " متعلق بمحذوف لأنه حالٌ من " شَيءٍ " إذ لو تأخر لكان صفة، والتقدير : على شيء مما كسبوا.
فصل وجه المشابهة بين هذا المثل وبين أعمالهم : هو أنَّ الريح العاصفة تُطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى لذلك الرماد أثر، فكذا كفرهم يبطل أعمالهم ويحبطها بحيث لا يبقى من أعمالهم معه أثرٌ.
واختلفوا ف يالمراد بتلك الأعمال، فقيل : ما علموه من أعمال البرِّ كالصدقة، وصلة الرحم، وبر الواليدن، وإطعام الجائع، فتبطل وتحبط بسبب كفرهم بالله، ولولا كفرهم لانتفعوا بها.
وقيل : المراد بتلك الأعمال عبادتهم الأصنام، وكفرهم الذي اعتقدوه إيماناً وطريقاً لخلاصهم، وأتبعوا أبدانهم دهراً طويلاً لينتفعوا بها، فصارت وبالاً عليهم.
وقيل : المراد من أعمالهم كلا القسمين ؛ لأن أعمالهم التي كانت في أنفسها خبرات قد بطلت، والأعمال التي اعتقدوها خيراً، وأفنوا فيها أعمالهم بطلت أيضاً، وصارت من
٣٦٤


الصفحة التالية
Icon