أي : ترب ؛ وكقوله :[الرجز] ٣٢٢٨ـ أعُوذُ باللهِ مِنَ العَقْرَابِ
الشَّائلاتِ عُقدَ الأذْنَابِ
وقد طعن جماعة على هذه القراءة، وقالوا : الإشباعُ من ضرائر الشعر، فكيف يجعل في أفصح الكلام ؟.
وزعم بعضهم : أنَّ هشاماً إنَّما قرأ بتسهيل الهمزة بين بين فظنها الراوي [أنها زائدة] ياء بعد الهمزة، قال : كما توهم عن أبي عمرو اختلاسه في :" بَارِئكُمْ "، و " يَأمُرُكمْ " أنه سكن.
وهذا ليس بشيءٍ، فإنَّ الرُّواة أجلُّ من هذا.
وقرأ زيد بنُ عليِّ :" إفادة " بزنة " رِفادة "، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون مصدراً لـ " أفَادَ " كـ " أقَامَ إقَامَة " أي : ذوي إفادَةِ، وهم النَّاس الذين ينتفع بهم.
والثاني : أن يكون أصلها :" وفَادة " فأبدلت الواو همزة، نحو إشاح وإعَاء.
وقرأت أم الهيثم :" أفْوِدَة " بكسر الواو وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون جمع :" فُؤاد " المُسَهَّل وذلك أنَّ الهمزة المفتوحة المضموم ما قبلها يطرد قبلها واواً، نحو " جُون " ففعل في :" فُؤاد " المفرد ذلك فأقرت في الجمع على حالها.
والثاني : قال صاحب اللَّوامح ـ رحمه الله ـ : هي جمع " وَفْد ".
قال شهاب الدين :" فكان ينبغكمي أن يكون اللفظ " أوْفِدَة " يتقدم الواو ؛ إلا أن
٣٩٧
يقال : إنه جمع " وَفْداً " على " أوْفِدَة "، ثم قبله فوزنه " أعْفِلَة " كقولهم : آرام " في " أرْآم " وبابه، إلاَّ أنَّه جمع " فَعْل " على " أفْعِلَة " نحو :" نَجْد وأنْجِدَة " و " وَهْي وأوْهِيَة " وأم الهيثم امرأة نقل عنها شيء من اللغةِ.
وقرىء " آفِدة " بزنة ضاربة وهو يحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون مقلوبة من " أَفْئِدَة " بتقديم الهمزة على الفاء، فقلبت الهمزة ألفاً فوزنه :" أعْفِلَة " كـ " آرام " في " أرآم ".
والثَّاني : أنها اسم فاعل : من " أَفَدَ يَافَدُ "، أي :" قَرُبَ ودَنَا ".
المعنى : جماعمةٌ آفدة أو جماعات آفدة.
وقرِىء : أَفِدَة " بالقصر، وفيها وجهان أيضاً : أحدهما : أن تكون اسم فالع على " فَعِل " كـ " فَرِح فهو فَرِحٌ "، وأن تكون مخففة من " أفْئِدَة " بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحذف الهمزة.
و " مِنْ " في " مِنَ النَّاسِ " فيها وجهان : أحدهما : أنها لابتداء الغاية.
قال الزمخشريُّ :" ويجوز أن يكون " مِن " الابتداء الغاية، كقولك : القلبُ منِّي سقيمٌ، تريد : قَلْبي، كأنه قال : أفْئدةُ ناسٍ، وإنَّما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل، لتنكير " أفْئِدَة " لأنَّها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة ".
قال أبو حيَّان :" ولا ينظر كونها للغاية ؛ لأنَّه ليس لنا فعل يبتدأ فيه بغاية ينتهي إلهيا، إذ لا يصح حعل ابتداء الأفئدة من الناس ".
والثاني : أنها للتعبيض، وفي التفسير : لو لم يقل من النَّاس لحج النَّاس كلهم.
قوله : تَهْوِي " هذا هو المفعول الثاني للجعل، والعامة على :" تَهْوِي " بكسر العين، بمعنى تسرع وتطير شوقاً إليه ؛ قال :[الكامل] ٣٢٢٩ـ وإذَا رَمَيْتَ بِهِ الفِجَاجَ رَأيْتَهُ
يَهْوِى مَخَارِمَها هُويَّ الأجْدلِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٩٢
وأصله أن يتعدى باللام، كقوله :[البسيط] ٣٢٣٠ـ حتَّى إذَا ما هَوتْ كفُّ الوَليدِ بِهَا
طَارتْ وفِي كفِّه مِنْ رِشهَا بِتَكُ
وإنَّما عدي بإلى ؛ لأ، ه ضمن معنى تميلُ، كقوله :[السريع]
٣٩٨
٣٢٣١ـ يَهْوِي إلى مكَّة يَبْغِي الهُدَى
ما مُؤمِنُ الجِن ككُفَّارِهَا
وقرأ أمير المؤمنين علي، وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، ومجاهدٌ ـ رضي الله عنهم ـ بفتح الواو، وفيه قولان : أحدهما : أن " إلى " زائدة، أي : تهواهم.
والثاني : أنه ضمن معنى تنزع وتميل، ومصدر الأول على " هُوّى " ؛ كقوله :[الكامل] ٣٢٣٢ـ......................
يَهْوِي مَخارِمَها هُوي الأجْدلِ
ومصدر الثاني على " هَوًى ".
وقال أبو البقاء :" معناهما متقاربان، إلا أنَّ " هوى " ـ يعني بفتح الواو ـ متعمد بنفسه، وإنَّما عدِّي بـ :" إلَى " حملاً على تميلُ ".
وقرأ مسلمة بن عبد الله :" تُهْوى " بضم التاءِ، وفتح الواو مبنياً للمفعول، من " أهْوى " المنقول من " هَوَى " اللازم، ـ أي : يسرع بها إليهم.
فصل قال المفسرون : قوله ﴿أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي﴾ أدخل " مِنْ " للتعبيض، والمعنى : أسكنت من ذريتي ولداً :﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ وهو مكة ؛ لأنَّ مكَّة وادٍ بين جبلين :﴿عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾.
روي عن ابن عبَّاسٍ، رضي الله عنهما ـ : أول ما أتَّخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ اتخذت منطلقاً لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، وليس بمكَّة يومئذ أحد، وليس فيها ماء، ووضع عندها إناء فيه تمرٌ، وسقاء فيه
٣٩٩


الصفحة التالية
Icon