الثاني : أنه متعد لواحد، وهو " وعْدهِ "، وأمَّا " رُسلهُ " فمنصوب بالمصدر فإنَّه ينحلْ بحرف مصدريّ، وفعل تقديره : مخلف ما وعد رسله، فـ " ما " مصدريَّة لا بمعنى الذي ؟ وقرأت جماعة :﴿مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ بنصب :" وَعْدهُ " وجر : رسُلهِ " فصلاً بالمفعول بين المتضايفين، هي كقراءة ابن عامرٍ :﴿قَتْلُ أوْلادَهُمْ شُكرائِهِمْ).
قال الزمخشري ـ مجرأة منه ـ :" وهذه في الضعف [كقراءة] (قَتْلُ أوْلادَهُمْ شُركائِهِمْ).
ثم قال :{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾
غالب لأهل المكر، ذو انتقام لأوليائه منهم.
قوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ [لما بين أنه عزيز ذو انتقام، بين وقت انتقامه، فقال :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ ] ويجوز في " يَوْمَ " عدة أوجه : أحدها : أن ينتصب منصوباً بـ " انتقام " أي : يقع انتقامه في ذلك اليوم.
الثاني : أن ينتصب بـ " اذكُر ".
الثالث : ِأن ينتصب بما يتلخص من معنى عزيز ذو انتقام.
الرابع : أن يكون بدلاً من :" يَوْمَ يَأتِيهِمْ ".
٤١٤
الخامس : أن ينتصب بـ :" مُخْلِفَ ".
السادس : أن ينتصب بـ " وَعْدِهِ "، و " إنَّ " وما بعدها اعتراض.
ومنع أبو البقاء هذه الآخرين، قال :" لأن ما قبل " إنَّ " لا يعمل فيما بعدها ".
وهذا غير مانع ؛ لأنه كما تقدَّم اعتراض، فلا يبالى به فاصلاً.
فصل التَّبديلُ يحتمل وجهين : الأول : أن تكون الذَّات باقية، وتبدل الصفة بصفة أخرى، كما تقول : بدلت الحلقة خاتماً، إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل آخر، منه قوله تعالى :﴿فَأُوْلَـائِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان : ٧٠]، ويقال : بدلَّلتُ قَمِيصِي جُبَّة، إذا قلبت عَيْنَهُ فجعلتهُ جُبَّةٌ، وقال الشاعر :[الطويل] ٣٢٤٧ـ فَمَا النَّاسُ بالنَّاسِ الذينَ عَرَفْتهُمْ
ولا الدَّارُ بالدَّارِ الَّتي أنْتَ تَعْلمُ
الثاني : أنْ تُفني الذات، وتحدث ذاتاً أخرى، كقولك : بدَّلتُ الدَّراهمَ دنَانِيرَ ومنه قوله تعالى :﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سبأ : ١٦].
وإذا عرفت أن اللفظ محتمل للوجهين ففي الآية قولان : الأول : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : هي تلك الأرض، إلاَّ أنها تغير صفتها فتسيرُ عنها جبالها، وتفجر أنهارها، وتسوى، فلا ﴿تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا اا أَمْتاً﴾ [طه : ١٠٧] وقال ﷺ :" تُبدَّلُ الأرضُ غيكر الأرْضِ، فيَبْسُطهَا، ويمُدُهَا مدَّ الأدِيم [العكاظي] لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً " وتبدل السموات باتثارِ كواكبها وانفطارها وتكوير شمسها ؛ وخسوف قمرها، وكونها تكن تارة كالمهل، وتارة كالدهان.
والقول الثاني : تبديل الذات.
قال ابن مسعود ـ رضي الله عه ـ : تبدل بأرض كالفضَّة البيضاء النَّقية، لم يسفك فيها د مٌ، ولم يعمل عليها خطيئة.
٤١٥
والقائلون بالقول الأول هم الذين يقولون عند قيام القيامةِ : لا يعدم الله الذوات والأجسام، وإنَّما يعدم صفاتها.
وقيل : المراد من تبديل الأرض والسموات : هو أنَّ الله ـ تعالى، يجعل الأرض جهنم، ويجعل السموات الجنة بدليل قوله تعالى :﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [المطففين : ٧] وقوله ـ عزَّ وجلَّ ـ ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين : ١٨].
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : سألتُ رسُول الله ﷺ عن قوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ [إبراهيم : ٤٨] أيْنَ تكُون النَّاس يَوْمئذٍ ؟ فقال ﷺ :" على الصِّراطِ ".
وروى ثوبانُ ـ رضي الله عنه ـ أن حبْراً من اليهودِ سأل رسول الله ﷺ أيْنَ تكُونُ النَّاسُ يَومَ تُبدَّلُ الأرضُ غير الأرْضِ ؟ قال :" هُمْ في الظُّلمةِ دون الجِسْرِ ".
قوله " والسَّمواتِ " تقديره : وتبدل السموات غير السموات.
وقرىء :" نُبَدّلُ " بالنون :" الأرض " نصباً " والسَّمواتِ " نسق عليه.
قوله " وبَرَزُوا " فيه وجهان : أحدهما : أنها حملةٌ مستأنفة، أي : يبرزون، كذا قدَّره أبو البقاءِ، يعنى أنه ماض يراد به الاستقبال، والأحسن أنه مثل ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [الأعراف : ٥٠] ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف : ٤٤] ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [الحجر : ٢] ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل : ١] لتحقُّّق ذلك.
والثاني : أنها حال من " الأرض "، و " قَدْ " معها مرادة، قاله أبو البقاءِ ويكون الضمير في :" بَرَزُوا " للخلق دلّ عليه السِّياق، والرَّابط بين الحال، وصاحبها الواو.
وقرأ زيد بن علي " وبُرِّزُوا " بضم الباء، وكسر الرَّاء مشددة عل التَّكثير في الفعل ومفعوله، وتقدَّم الكلام في معنى البروز عند قوله تعالى ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً﴾ [إبراهيم : ٢١]، وإنما ذكر " الوَاحدِ القهَّارِ " هنا ؛ لأنَّ الملك إذا كان لمالك واحد غالبٍ لا يغلبُ،
٤١٦


الصفحة التالية
Icon