قهَّار لا يقهر، فلا يستغاث بأحد عغيره، فكان الأمر في غية الصعوبة ولما وصف نفسه ـ تعالى ـ بكونه قهاراً، بيَّن عجزهم، وذلتهم فقال :" وتَرَى المُجْرمينَ " وصفهم بصفات : الأولى : قوله :﴿مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ " يجوز أن يكون حالاً على أنَّ الرؤية بصريّة، وأن يكون مفعولاً ثانياً على أنَّها علمية، و " فِي الأصْفادِ " متعلق به.
وقيل : بمحذوف على أنه حال أو صفة لـ " مُقرَّنينَ " ".
والمُقرن : من جمع في القَرَن، وهون الحبل الذي يربط به، قال :[البسيط] ٣٢٤٨أ ـ وابنُ اللَّبُون إذَا ما لُزَّ فِي قرنٍ
لَمْ يَستَطعْ صَولةَ ا لبُزْلِ القَناعِيسِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٠٥
وقال آخر :[البسيط]
٣٢٤٨ب ـ والخَيْرُ والشَّرُّ مَلْزُوزان في قَرنٍ
وقال آخر :[البسيط]
٣٢٤٨ج ـ إنِّي لَدَى الباب كلمَلزُوزِ في قَرنٍ
يقال : قَرنْتُ الشَّيء بالشَّيء إذا شددتهُ بِهِ، ووَصلتهُ، والقرنُ : اسم للحَبْلِ الذي يُشَدُّ بِهِ، ونكَّرهُ لِكثرةِ ذلِك.
والأصْفَادُ : جمع صفدٍ، وهو الغلُّ، والقيد، يقال : صَفَدَهُ يَصْفِده صَفْداً، قيَّدهُ، بِهِ، والاسم الصَّفَد، وصفَّدهُ مشدداً للتكثير ؛ قال :[الوافر] ٣٢٤٩ـ فآبُوا بالنّهَابِ وبالسَّبَايَا
وأبْنَا بالمُلُوكِ مُصفَّدِينَا
والأصفادُ من الصَّفْد، وأصفْدَه، أي : أعطاه، ففرَّقُوا بين " فَعَل " و " أفْعَلَ ".
وقيل : بل يستعملان في القَيْدِ، والعَطاءِ، قال النابغة الذبياني :[البسيط] ٣٢٥٠ـ.................
فَلمْ أعرِّضْ أبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفدِ
أي : بالإعطاءِ، وسمي العطاء صفداً، لأنَّه يُقيَّدُ من يعطيه، منه : أنا مغلول أياديك، أسير نعمتك.
فصل قيل : يقرن كل كافرٍ مع شيطانٍ في سلسلة، بيانهن قوله :﴿احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ﴾
٤١٧
[الصافات : ٢٢] يعنى : قرناءهم من الشَّياطين، وقوله ـ جل ذكره ـ :﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير : ٧].
أي قرنت.
وقيل : مقرونة أيديهم، وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد أي : بالقيود.
قوله :﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ﴾ مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من " المُجْرمينَ " وإمَّا من :" مُقرَّنِينَ "، وإما من ضميره، ويجوز أن تكون مستأنفة وهو الظاهر.
والسَّرابِيلُ : الثِّيابُ، وسَرْبلتهُ، أي : ألْبَستهُ السِّربالَ ؛ قال :[السريع] ٣٢٥١ـ...................
أوْدَى بِنعْليَّ وسِرْبَالِيَه
وتطلق على ما يحصن في الحرب من الدِّرع، وشبهه قال تعالى :﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ [النحل : ٨].
والقَطرانُ : ما يستخرج منن شجر يسمَّى الأبهل، فيطبخ ويطلى به الإبل الجُرْب ليذهب جربها [بحدته، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار]، وهو أسود اللَّون منتن الرَّائحةِ، وفيه لغاتٌ :" قِطرانٍ " بفتح القاف وكمسر الطاء، وهي قراءة العامة.
و " قَطْران " بزنة سكران، وبها قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ وقال أبو النَّجْم :[الرجز]
٣٢٥٢ـ لَبَّسَهُ القَطْرانَ والمُسُوحَا
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٠٥
و " قِطْرَان " بكسر القاف، وسكون الطاء بزنة " سِرْحَان " ولم يقرأ بها فيما علمتُ.
قال شهابُ الدين ـ رحمه الله ـ : وقرأ جماعة كثيرة منهم عليُّ بن أبي طالب وابن عباس، وأبو هريرة ـ رضي الله عنهم ـ :" قَطِرِ " بفتح الْقاف، وكسرها وتنوين الراء " آنٍ " بوزن " عَانٍ " جعلوها كلمتين، والقَطِر : النَّحاس، والـ " آنِ " اسم فالع من أنَى يأني، أي : تَناهى في الحرارةِ ؛ كقوله تعالى :﴿بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن : ٤٤].
٤١٨


الصفحة التالية
Icon