في القلب، مأخوذ من قولهم : أغلَّ في جوفه، وتغلغل.
قوله :" إخْوَاناً " يجوز أن يكون حالاً من " هُمْ " في " صُدُورهِمْ "، وجاز ذلك' لأنَّ المضاف جزءُ المضاف إليه.
وقال أبو البقاءِ : والعامل فيها معنى الإلصاق، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل " ادْخُلوهَا " على أنها حال مقدرة، قاله أبو البقاء.
ولا حاجة إليه بل هو حال مقارنة.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في قوله :" جَنَّاتٍ ".
قوله " على سُررٍ "، يجوز أن يتعلق بنفس " إخواناً "، لانه بمعنى متصافين، أي : متصافين على سُررٍ، قاله أبو البقاء ؛ وفيه نظر ؛ حيث تأويل جامدٍ بمشتقٍّ، بعيد منه.
و " مُتَقابِلينَ " على هذا حالٌ من الضمير في " إخْواناً "، ويجوز أن يتعلق بمحذوف، على أنه صفة لـ " إخْواناً "، وعلى هذا فـ " مُتقَابِلينَ " حالٌ من الضمير المستطنِّ في الجارِّ، ويجوز أن يتعلق ب " مُتَقَابلينَ "، أي : متقابلين على سررٍ، وعلى هذا فـ " مُتَقَابلينَ " من الضمير في " إخْواناً " أو صفة لـ " إخْوَاناً ".
ويجوزم نصبه على المدحِ، يعني : أنه لا يمكن أن يكون نعتاً للضمير فلذلك قطعَ.
والسُّررُ : جمع سَريرٍ، وهو معروفٌ، ويجوز في " سُررٍ "، ونحوه مما جمع على هذه الصيغةِ من مضاعف " فَعِيل " فتح العين ؛ تخفيفاً ؛ وهي لغة بني كلبٍ وتميم، فيقولون : سُرَرٌ وجُدَدٌ، وذلك في جمع سرير وجديد.
قال المفضل : لأنَّهم يستثقلون الضمتين المتوالتين في حرفين من جنس واحد.
فصل قال بعض أهل المعاني : السَّريرُ : مجلسٌ رفيعٌ مهيَّأ للسُّرورِ، وهو مأخوذ منه ؛ لأنه مجلس سرورٍ.
متقابلينَ : يقالب بعضهم بعضاً، ولا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه، والتَّقابلُ : التواجه، وهو نقيضُ التَّدابر.
قوله :﴿يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ﴾ يجوز أن تكون هذه مستأنفة، ويجوز أن تكون حالاً من الضمير في " مُتَقَابلينَ ".
والنَّصَبُ : التَّعَبُ، يقال منه : نَصِبض يَنْصَبُ فهو نَصِبٌ ونَاصِبٌ، أنصبني كذا، قال :[الطويل] ٣٢٧٨ـ تَأوَّبَنِي هَمٌّ مَعَ اللَّيْلِ مُنصِبُ
.......................
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٢
وهمَّ ناصبٌ، أي : ذُو نصبٍ، كلابن وتامر ؛ قال النابغة :[الطويل]
٤٦٤
٣٢٧٩ـ كِلينِي لِهَمِّ يَا أمَيْمة نَاصبٍ
ولْلٍ أقَاسيهِ بَطيءٍ الكَواكِبِ
و " مِنْهَا " متعلقه " بمُخْرجين ".
وهذه الآية أنصُّ آيةٍ في القرآن على الخلود.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٢
قوله تعالى :﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ أثبت الهمزة الساكنة في " نَبِّىء " صورة، وما أثبت في قوله :" دِفْءٌ " ؛ لأنَّ ما قبلها ساكنٌ، فهي تحذف كثيراً، وتلقى حركتها على الساكن قبلها فـ " نَبِّىءْ " في الخط على تحقيق الهمزة، وليس قبل همزة " نَبِّىْ " ساكن ؛ فأخَّروها على قياس الأصل.
وقوله : أنَا الغَفورُ " يجوز في " أنَا " أن يكون تأكيداً، أن يكون فصلاً ".
وقوله :﴿هُوَ الْعَذَابُ﴾ يجوزم في " هُوَ " الابتداء، والفصل، ولا يجوز التوكيد ؛ إذ المظهر لا يؤكَّد بالمضمر.
فصل ثبت في أصول الفقه أنَّ ترتيب الحكم على الوصف المناصب يشعر بغلبةِ ذلك الوصف، فهاهنا وصفهم بكونهم عباده، ثم ذكر عقب هذا الوصف الحكم بكونه غفوراً رحيماً، وهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ من اعترف بالعبودية، وكان في حقِّه غفوراً رحيماً، ومن أنكر ذلك، كان مستوجباً للعذاب الأليم.
وفي الآية لطائف : أولها : أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله :" عِبَادي " وهذا تشريفٌ عظيمٌ، ويدل عليه قوله :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء : ١].
وثانيها : أنه لما ذكر المغفرة، والرحمة بالغ في التَّأكيدات بألفاظٍ ثلاثة : أولها : قوله :" أنِّي ".
وثانيها :" أنَا ".
وثالثها : إدخال الألف واللام على قوله :" الغَفُور الرَّحيمُ "، ولما ذكر العذاب، لم يقول : إني إنا ولَمْ يَصفْ نفسهُ بِذلكَ، بل قال عزَّ وجلَّ :﴿عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾.
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ أمر رسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن يبلغ إليهم هذا المعنى، فكأنه أشهد رسوله على نفسه بالتزام المغفرة، والرحمة.
ورابعها : أنه ـ تعالى ـ لمَّا قال :﴿نَبِّىءْ عِبَادِي﴾ كان معناه : كلّ من اعترف
٤٦٥


الصفحة التالية
Icon