بعبوديَّتي، وهنذا يشمل المؤمن، والعاصي، وكذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله ـ تعالى ـ.
قال قتادة : بلغنا أن نبيَّ الله ﷺ قال :" لَو يَعْلمشُ العَبدُ قَدْرِ عَفْوِ الله لمَا تورَّع عن حرامٍ، ولوْ عَلِمَ قدر عِقابِهِ لبَخَعَ نَفْسَهُ " أي : قتلها.
وعن النبيِّ ﷺ أنَّه مرَّ بِنفَرٍ من أصحابه، وهم يضحكُون، فقال : أتَْضحَكُون وبيْنَ أيديكمُ النَّارُ " فنزَل جِبريلُ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بِهذِهِ الآية، وقال :" يقول لك يا محمَّد : لِمَ تقنط عِبادِي ".
وقال بان عبَّاسِ ـ رضي الله عنهما ـ : معنى :﴿أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ لمن تاب منهم.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٥
قوله تعالى :﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ القصَّة : لما قرَّر أمر النبوة، أردفه بدلائل
٤٦٦
التوحيد، ثمَّ عقبه بذكر أحوال القيامةِ، وصفة الأشقياء، والسعداء، أتبعه بذكر قصص الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ـ، ليكن سماعها مرغِّباً للعبادة الموجبة للفوز بدرجاتِ الأولياءِ، ومحذراً عن المعصية الموجبةِ لاستحقاقِ دركاتِ الأشقياءِ.
فقوله :" ونَبِّئْهُم "، هذا الضمير راجعٌ إلى قوله عز وجل : عِبَادِي "، أي : ونبِّىء عبادي، يقال : أنْبأتُ القوم إنباءً ونَبَّأتهُم تَنْبئةً إذا أخبرتهم.
قوله :" عَن ضَيْفِ "، أي [أضياف إبراهيم]، والضَّيْفُ في الأص مصدر ضَافَ يضيفُ : إذا أتى إنساناً يطلب القوى، وهو اسمٌ يقع على الواحدِ، والاثنين، والجمع، والمذكر، والمؤنَّث.
فِإن قيل : كيف سمَّاهم ضيفاً، مع امتناعهم من الأكلِ ؟.
فالجواب : لمن ظنَّ إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنَّهم إنَّما دخلوا عليه لطلب الضِّيافة، جاز تسميتهم ذلك.
وقيل : من دخل [دار] إنسان، والتجأ إليه سمِّي ضيفاً، ون لم يأكل، وكان إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه علثيه ـ يكنَّىأبا الضيفان، كان لقصره أربعة أبوابٍ، لكي لا فوته أحدٌ.
وسمِّي الضيف ضيفاً ؛ لإضافته إليك، ونزوله عليك.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ :" ضَافهُ مَالَ إليه، وأضَافهُ :[أماله]، ومنه الحديث : حِينَ تضيفلإ الشَّمسُ للغُروبِ.
وضَيفُوفَةُ السَّهم، والإضافةُ النَّحوية ".
قوله :﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ في " إذْ " وجهان : أحدهما : أنه مفعول لفعل مقدر، أي : اذكر إذ دخلوا.
والثاني : أنه ظرف على بابه، وفي العامل فيه وجهان : أحدهما : أنه محذوف، تقديره : خبر ضيف.
والثاني : أنه نفس " ضَيْفِ "، وفي توجيه ذلك وجهان : أحدهما : أنه لما كان في الأصل مصدراً اعتبر ذلك فيه، ويدلُّ على اعتبار مصدريته بعد الوصف به : عدم مطابقته لما قبله تثنية، وجمعاً وتأنيثاً في الأغلب، ولأنه قائم مقام وصفه، والوصف يعمل.
والثاني : أنه على حذف مضاف، أي : أصحاب ضيف إبراهيم، أي : ضيافته، فالمصدر باقٍ على حاله، فلذلك عمل.
٤٦٧
قال أبو البقاء بعد أن قدر أصحاب ضياتفه : والمصدر على هذا مضاف إلى المفعول.
قال شهابُ الدِّين : وفيه نظر، إذ الظَّاهر إضافته لفاعله ؛ لأنه النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى :﴿فَقَالُواْ سَلاماً﴾، أي نُسلِّم لك سلاماً أو سلَّمتُ سلاماً، أو سلمُوا سَلاماً، قاله القرطبي رحمه الله تعالى.
قال :﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ أي : خائفون ؛ لأنهم لم يأكلوا طعامه، وقيل : لأنهم دخلوا بغير إذن، وبغير وقت.
قوله :" لا تَوجَلْ " العامة على فتح التاء من " وجِلَ " كـ :" شَرِبَ " يَشربُ، والفتح قياس " فَعِلَ " إلا أن العرب آثرت [يفعل بالكسر] في بعض الألفاظ إذا كانت واواً، نحو :" نَبِقَ " وقرأ الحسن :" لا تُوجَل " مبنياً للمفعول من الإيجال.
وقرىء :" لا تَأجَلْ "، والأصل :" تَوْجل " كقراءة العامة، إلاَّ أبدل من الواو ألفاً لانفتاح ما قبلها، وإن لم تتحرَّك كقولهم :" تَابةٌ "، و " صَامةٌ " في " تَوْبة "، و " صَوْمة " وسمع : اللَّهُم تقبَّل تَابتِي، وصَامتِي.
وقرىء أيضاً :" لا تُواجِل " من المواجلة.
ومعنى الكلام : لاتخف ؛ " إنَّا نَبشِّرُكَ "، قرأ حمزة :" إنَّا نَبْشُركَ " بفتح النون وتخفيف الباء، والباقون بضم النون، وفتح الباء، و " إنَّا نُبشِّركَ " استئناف بمعنى التعليل للنهي عن الوجل، والمعنى إنَّك بمثابة الآمن المبشر فلا توةجل.
واعلم أنَّهم بشروهن بأمرين : أحدهما : أنَّ الولد ذكرٌ، والثاني : أنه عليمٌ.
فقيل : بشَّروه بنبوته بعده، وقيل : عليم بالدِّين، فعجب إبراهيم أمره و ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ قرأ الأعرج :" بشَّرتُمونِي " بإسقاط أداة الاستفهام، فيحتمل الأخبار، ويحتمل الاستفهام، وإنما حذفت أدلته للعلم به.
وِ " على أنْ مسَّنيَ " في محل نصبٍ على الحال.
وقرأ ابن محيصن :" الكُبْر " بزنة " فُعْقولهخ :" فبمَ تبشّرون " " بِمَ " متعلقٌ بـ " تُبشِّرُون "، وقدم وجوباً ؛ [لأنه] استفهام وله صدر الكلام.
٤٦٨