إلا أنَّ الفضحية اختصت بما هو عارٌ على الإنسان عند ظهوره.
ومعنى الآية : أن الضيف يجب إكرامه، فإذا قصدتموه بالسُّوءِ كان ذلك إهانة بي، ثمَّ أكد ذلك بقوله :﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ﴾ ولا تخجلون، فأجابوه بقولهم :﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، أي : عن أن تضيِّف أحداً من العالمين.
وقيل : ألم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة ؛ فإنا نركبُ منه الفاحشة.
قوله :﴿هَؤُلآءِ بَنَاتِي﴾ يجوز فيه أوجه : أحدها : أ، يكون ﴿هَؤُلآءِ بَنَاتِي﴾ مفعولاً بفعل مقدرٍ، أي : تزوَّجُوا هؤلاء، و " بَناتِي " بدلٌ، أو بيانٌ.
الثاني : أن يكون ﴿هَؤُلآءِ بَنَاتِي﴾ مبتدأ وخبراً، ولا بدَّ من شيء محذوف تتمُّ به الفائدة، أي : فتزوَّجُوهنَّ.
الثالث : أن يكون " هَولاءِ " مبتدأ، و " بَناتِي " بدلٌ، أو بيان والخبر محذوف، أي : هُنَّ أطهر لكم كما جاء في نظيرتها.
وتقدَّم الكلام على هذه المعاني في هود.
قوله ﴿لَعَمْرُكَ﴾ مبتدأ محذوف الخبر وجوباً، ومثله : لايْمُن الله، و " إنَّهُمْ "، وما في حيزه جواب القسم، تقديره : لعمرك قسمي، أو يميني إنهم، والعُمُرُ والعَمْر بالفتح والضم هو البقاء، إلا أنَّهم التزموا الفتح في القسم.
قال الزجاج : لأنه اخفُّ عليهم، وهم يكثرون القسم بـ " لعَمْرِي ولعَمْرُكَ ".
وله أحكام كثيرة : منها : أنه متى اقترن بلام الابتداء ؛ ألزم فيه الرفع بالابتداء، وحذف خبره لسد جواب القسم مسدَّه.
٤٧٧
ومنها : أنه يصير صريحاً في القسم، أي : يتعيَّن فيه، بخلاف غيره نحو : عَهْدُ اللهِ ومِثَاقُه.
ومنها : أنه يلزم فتح عينه.
فإن لم يقترن به لام الابتداء، جاز نصبه بفعلٍ مقدرٍ، نحو : عَمْرُ اللهِ لأفعلنَّ، ويجوز حينئذٍ في الجلالة وجهان : النَّصبُ والرفع فالنصب على أنه مصدرٌ مضاف لفاعله، وفي ذلك معنيان : أحدهما : أن الأصل : أسألك بعمرك الله، أي : بوصفك الله ـ تعالى ـ بالبقاء، ثم حذف زوائد المصدر.
والثاني : أن المعنى : بعبادتك الله، والعَمْرُ : العِبادةُ.
حكى ابن الأعرابي : إنِّي عمرتُ ربِّي، أي : عبدته، وفلان عامر لربِّه، أي : عابده.
وأمَّا الرفع : فعلى أنه مضاف لمفعوله.
قال الفارسي رحمه الله : معناه [عَمَّرك] الله تعميراً، وقال الأخفش : أصله : أسْألك بِيُعمرك الله، فحذف زوائد المصدر، والفعل، والياء، فانتصب، وجاز أيضاً ذكر خبره، فتقول : عمرك قسمي لأقومن، وجاز أيضاً ضمُّ عينه، وينشد بالوجهين قوله :[الخفيف] ٣٢٨٣ـ أيُّهَا المُنْكِحُ الثُريَّا سُهَيلاً
عَمركَ الله كيْفَ يَلتقِيَانِ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٦
هِيَ شَامِيَّةٌ إذَا ما استقلَّتْ
وسُهَيْلٌ إذا اسْتقل يَمانِي
ويجوز دخول باء الجر عليه ؛ نحو : بعمرك لأفعلنَّ ؛ قال :[الوافر] ٣٢٨٤ـ رُقيَّ بِعمْرِكُم لا تَهْجُرينَا
ومَنِّينَا المُنَى ثُمَّ امْطُلينا
وهو من الأسماء اللازمة للإضافة، فلا يقطع عنها، ويضاف لكل شيء، وزعم بعضهم : أنه لا يضاف إلى الله ـ تعالى ـ.
قيل : كان هذا يوهم أنه لا يستعمل إلا شفي الانقطاع، وقد سمع إضافته للباري تعالى.
قال الشاعر :[الوافر] ٣٢٨٥ـ إذَا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشيْرٍ
لعَمْرُ الله أعْجَبنِي رِضَاهَا
ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلِّم، قال لأنه حلف بحياة المقسم، وقد ورد ذلك، قال النابغة :[الطويل]
٤٧٨
٣٢٨٦ـ لعَمْرِي وما عمْرِي عليَّ بِهيِّنٍ
لقد نَطقَتْ بُطلاً عليَّ الأقَارعُ
وقد قلبته العرب لتقديم رائه على لامه، فقالوا : وعملي، وهي رديئة.
" إنَّهُمْ " العامة على كسر " إنَّ " لوقوع اللام في خبرها، وقرأ أبو عمرو في رواية الجهضمي له " أنَّ " فتحها، وتخريجها على زيادة اللام، وهي كقراءة ابن جبيرٍ (ألا أنهم ليأكلون الطعام] بالفتح.
وقرأ الأعمش :" سَكْرهُمْ " بغير تاء، وابن أبي عبلة " سَكرَاتهِمِ " جمعاً، والأشهب :" سُكْرتِهِم " بضم السين.
و " يَعْمَهُونَ " حال إمَّا من الضمير المستكن في الجار، وإمَّا من الضمير المجرور بالإضافة، والعامل إمَّا نفس سكرة، لأنَّها مصدر، وإمَّا معنى الإضافة.
فصل قيل : إن الملائكة ـ عليهم السلام ـ قالت للوطٍ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ " لعَمُركَ إنَّهم لَفِي سَكرتِهمْ يَعْمَهُونَ " : يتحيَّرون.
وقال قتادة : يلعبون فكيف يعقلون قولك ويتلفتون إلى نصيحتك ؟.
وقيل : إنَّ الخطاب لرسول الله ﷺ وإنَّه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحدٍ.
روى أبو الجوزاء عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال ما خلقَ الله نفساً أكرم على الله من محمدٍ ﷺ، وما أقْسمَ بحياةِ أحدٍ إلاَّ بحياتهِ.
قال ابن العربي : قال المفسرون بإجماعهم : أقسم الله تعالى ها هنا بحياةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
٤٧٩


الصفحة التالية
Icon