تشريفاً له، أنَّ قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حريتهم يترددون، وقال القاضي عياضٌ : اتفق أهل التفسير في هذا : أنَّه قسم من الله تعالى بمدة حياة محمد ﷺ وأصله ضمُّ العين من العمر، ولكنها فتحت بكثرة.
قال ابن العربي : ما الذي يمنعُ أن يقسم الله ـ تعالى ـ بحياة لوطٍ، ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكلُّ ما يعيطه الله للوطٍ من فضل، يعطي ضعفه لمحمد ﷺ ؛ لأنَّه أكرم على الله منه ؛ أو لات تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلَّة، وموسى التكليم، وأعطلى ذلك لمحمدٍ ﷺ، فإذا أقسم بحياة لوطٍ، فحياة محمدٍ ﷺ أرفعُ، ولا يخرج من كلام إلى كلام لم يجر له ذكرٌ لغير ضرورةٍ.
قال القرطبيُّ : ما قاله حسنٌ، فإنَّه كان يكون قسمة سبحانه بحياة محمد ﷺ، كلاماً معترضاً في قصَّة لوط.
قال القشيريُّ : يحتمل أن يرجع ذلك إلى قوم لوطٍ ؛ أي كانوا في سكرتهم يعمهون، أي لمَّا وعظ لوطٌ قومه وقال : هؤلاء بناتي، قالت الملائكة : يا لوط لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، ولا يدرون ما يحلُّ بهم صباحاً.
فإن قيل : فقد أقسم الله تعالى بالتِّين، والزَّيتونِ، وطور سنين، وما في هذا من الفضل ؟ قيل له : ما من شيء أقسم الله به، إلاّ وفي ذلك دلالة على فضل على ما يدخل في عداده، فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾، ولم يذكر في الآية صيحة من هي فإن ثبت بدليل قوي أن تلك صيحة جبريل قيل به وإلا فليس في الآية دليلٌ على أنه جاءتهم صيحة مهلكة.
قوله " مُشْرقينَ " " حال من مفعول " أخَذتْهُمْ "، أي داخلين في الشروق، أي : بزوغِ الشَّمسِ.
يقال : شَرَق الشارق يَشْرُق شُرُوقاً لكل ما طلع من جانب الشرع، ومنه قوله : ما ذرَّ شَارِقٌ، أي طلع طَالعٌ فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين أشرقوا.
والضمير في :" عَاليهَا وسَافِلهَا " للمدينة.
وقال الزمخشريُّ :" لقرى لقوم لوط ".
ورجح الأول بأنه تقدَّم ذكر المدينة في قوله ﴿وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ فعاد الضمير إليها بخلاف الثاني، فإنه لم يتقدَّم لفظ القرى.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً﴾ تقدم الكلام على ذلك كله في هود :[٨٢].
قوله ﴿لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ متعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " آيَاتٌ " وأجود أن يتعلق بنفس " آيَاتٌ " ؛ لأنَّها بمعنى العلامات.
٤٨٠
والتوسُّم : تفعل من الوسم، والوسمُ أصله : التَّثبت، والتَّفكر مأخوذ من الوسمِ، وهو التَّأثير بحديد في جلد البعير، أو غيره.
وقال ثعلب : الوَاسِمُ النَّاظر إليك من [قرنك] إلى قدمك، وفيه معنى التَّثبيت.
وقال الزجاج : حقيقة المتوسِّمين في اللغة : المثبتون في نظرهم حتَّى يعرفوا سمة الشيء، وصفته وعلامته وهو استقصاءُ وجوه التَّعرف قال :[الكامل] ٣٢٨٧ـ أوَ كُلما وردَتْ عُكاظَ قَبيلَةٌ
بَعَثَتْ إليَّ عَريفَهَا يَتوسَّم
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٦
وقيل : هو تفعُّل من الوسمِ، وهو العلامة، توسَّمتُ فيك خيراً، أي : ظهر لي مِيسَمُهُ عليك.
قال ابن رواحة يمدحُ النبي ﷺ :[البسيط] ٣٢٨٨ـ إنِّي تَوسَّمْتُ فِيكَ الخَيرَ أعْرفهُ
واللهُ يَعْلمُ أنِّي ثَابتُ البَصرِ
وقال آخر :[الطويل] ٣٢٨٩ـ تَوسَّمْتهُ لمَّا رَأيْتُ مَهَابَةٌ
عَليْهِ، وقُلْتُ المَرْءُ مِنْ آلِ هَاشمِ
ويقال : اتَّسمَ الرَّجلُ، إذا اتَّخذَ لِنفْسِه عَلامةً يُعرف بِهَا، وتوسَّم : إذا طلبَ كلأ الوسمي، أي : العُشْبَ النَّابت في أوَّل المطر.
واختلف المفسِّرون : فقال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ للنَّاظرين.
وقال مجاهدٌ للمتفرِّسين، وقال قتادة للمعتبرين، وقال مقاتلٌ للمتفكرين.
٤٨١
قوله :﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾ الظاهر عود الضمير على المدينة، أو القرى وقيل على الحجارة وقيل : على الآيات، والمعنى : بطريقٍ قال مجاهد هذا طريق معلم، وليس بخفيّ، ولا زائلٍ.
ثم قال :﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، إي : كل من آمن بالله، ويصدق بالأنبياء، والرُّسلِ ـ صلوات الله وسلامه عليهم ؛ عرف أنَّما كان انتقامُ الله من الجُهَّال لأجل مخالفتهم، وأمَّا الذين لا يؤمنون ؛ فيحملونه على حوادث [العالم]، وحصول القرانات الكوكبية، والاتصالات الفلكية.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٦٦
قوله تعالى :﴿وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ﴾ " إنْ " هي المخففة، واللم فارقة وهي للتأكيد، وقد تقدَّم حكم ذلك [البقرة : ١٤٣].
و " الأيْكَة " : الشَّجرة الملتفَّّة، واحدة الإيْكِ.
قال :[الكامل] ٣٢٩٠ـ تَجْلُو بِقَادمتَي حَمامَةِ أيْكَةٍ
بَرَاداً أسِفَّ لِثاتهُ بالإثْمِدِ