ويقال : لَيْكَة، وسيأتي بيانه عند اختلاف القرَّاء فيه الشعراء :[١٧٦] إن شاء الله ـ تعالى ـ.
وأصحاب الأيكة : قوم شعيب كانوا أصحاب غياضٍ، وشجرٍ متلفٍّ.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : وكان عامة شجرهم الدوم، وهو المقل.
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ بالعذاب.
روي أنَّ الله ـ تعالى ـ سلَّط عليهم الحر سبعة أيَّام، مفبعث الله ـ سبحانه ـ سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الرَّوْحَ ؛ فبعث الله عليهم ناراً، فأحرقتهم، فهو عذابُ يوم الظُّلة.
قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ في ضمير التثنية أقوال : أرجحها : عوده على [قريتي] قوم لوطٍ، وأصحاب الأيكةِ، وهم : قوم شعيبٍ ؛ لتقدُّمها ذكراً.
٤٨٢
وقيل : يعود على لوطٍ وشعيبٍ، [وشعيبٌ] لم يجر له ذكر، ولكن دلَّ عليه ذكر قومه.
وقيل : يعود على الخبرين : خبر هلاك قوم لوطٍ، وخبر إهلاك قوم شعيبٍ.
وقيل : يعود على أصحاب الأيكةِ، وأصحاب مدين ؛ لأنه مرسلٌ إليهما، فذكر أحدهما يشعر بالأخرى.
وقوله ـ جل ذكره ـ ﴿لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ أي : بطريق واضح، والإمام [اسم لما] يؤتمُّ به.
قال الفراء، والزجاج :" إنَّما جعل الطَّريقُ إماماً ؛ لأنه يؤمُّ، ويتبع ".
قال ابن قتيبة : لأنََّ المسافر يأتمُّ به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده.
وقوله :" مُبينٍ " يحتمل أنه مبين في سنفسه، ويحتمل أنه مبين لغيره، لأن الطريق تهدي إلى المقصد.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٨٢
قوله :﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾.
قال صاحبُ " ديوان الأدبِ " الحِجْر : ـ بكسر الحاء المهملة، وتسكين الجيم ـ له ستَّة معانٍ : فالحِجْر : منازل ثمود، وهو المذكور هاهنا، والحِجْرُ : الأنثى من الخيل.
والحِجْرُ : الكعهبة.
والحِجْرُ : لغة في الحجرِ، هو واحد الحجور في قوله تعالى :﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ [النساء : ٢٣] والحِجْرِ : العَقْلُ، قال تعالى :﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ﴾ [الفجر : ٥]، والحِجْرُ : الحرامُ في قوله تعالى :﴿وَحِجْراً مَّحْجُوراً﴾ [الفرقان : ٥٣] أي : حراماً محرماً.
فصل قال " المُرْسلينَ "، وإنَّما كذبوا صالحاً وحده ؛ لأنَّ من كذَّب نبيًّا ؛ فقد كذَّب الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ملأنهم على دين واحد ولا يجوز التَّفرييقُ بينهم.
وقيل : كذَّبُوا صالحاً، وقيل : كذَّبوا صالحاً ومن تقدمه من النَّبيين أيضاً، والله تعالى أعلم.
قال المفسرون : والحِجْرُ : اسم وادٍ كان يسكنه ثمود قوم صالحٍ، وهو بين المدينة، والشام، والمراد بـ " المُرْسلينَ " صالحٌ وحده.
٤٨٣
قال ابن الخطيب :" ولعلَّ القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل ".
﴿وَآتَيْنَاهُمْ﴾ يعني النَّاقة، وولدها، والبئر، والآيات في النَّاقة : خروجها من الصَّخرة، وعظم خلقها، وظهور نتاجها عند خروجها، وقُرب ولادتها، وغزارة لبنها، وأضاف الإيتاء إليهم، وإن كانت النَّاقة آية صالحٍ ؛ لأنَّها آيات رسولهم، فكانوا عنها معضرين ؛ فذلك يدلُّ على أنَّ النَّظر، والاستدلال واجب، وأنَّ التقليد مذموم.
﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً﴾ تقدَّم كيفيَّة النَّحت في الأعراف :[٧٤]، وقرأ الحسن، وأبو حيوة : بفتح الحاءِ.
" ءَامِنينَ " من عذاب الله.
وقيل : آمنين من الخرابِ، ووقوع السَّقف عليهم.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾، أي : صيحة العذاب " مُصْبِحينَ "، أي وقت الصُّبح.
قوله :" فَمَا أغْنَى " يجوز أني تكون نافية، أو استفهامية فيها [معنى] التعجب، وقوله :" مَا كَانُوا " يجوز أن تكون " مَا " مصدرية، أي : كسبهم، أو موصوفة، أو بمعنى " الَّذي "، والعائد محذوف، أي : شيء يكسبونه، أو الذي يكسبونه.
فصل وروى البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ " أنَّ رسول الله ﷺ لمَّا نزل الحجر في غزوة تبوك، أمرهم ألاَّ يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقال واحدٌ : عَجَنَّا، وأسْتقَيْنَا، فأمرهم النبي ﷺ أن يهريقوا ذلك الماء، وا، يطرحوا ذلك العجين "، وفي رواية :" وأ، ْ يَعْلِفُوا الإبل العجِين ".
وفي هذا دليل على كراهة دخول تلك المواضع، وعلى كراهةِ دخول مقابر الكفار، وعلى تحريم الانتفاع بالماء المسخوط عليه ؛ لأنَّ النبي ﷺ أمرهم بإهراقه وطرح العجين، وهكذا حكم الماء النَّجسِ، ويدلُّ على أنَّ ما لا يجوز استعماله من الطعام، والشراب، يجز أن يعلفه البهائم.
قوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ الآية.
لما ذكر أهلاك الكفَّار، فكأنه قيل : كيف يليق الإهلاك بالرحيم ؟.
فأجاب : بأني ما خلقت الخلق إلا ليشتغلوا بعبادي، كما قال تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات : ٥٦] فإذا تركوها، وأعرضوا عنها ؛ وجب في الحكمة إهلاكهم، وتظهير وجه الأرض منهم.
٤٨٤


الصفحة التالية
Icon