وفي الحديث :" لَعنَ اللهُ العَاضِهةً والمُسْتعضِهَة "، أي السَّاحربة، والمسُتسْحِرَة وقيل : هو من العضه، وهو : الكذب، والبهتان، يقال : عَضَهُ عَضْهَاً، وعضيهةً، أي : رماه بالهتان، وهذا قول الكسائي رحمه الله تعالى.
وقيل : هو من العِضَاه، وهو شجر له شوكٌ مؤذٍ، قاله الفرَّاء.
وفي لام " عِضَة " قولان يشهد لكلِّ منهنما التصريف : الاول : الواو، لقولهم : عِضَوات، وعَاضَة، وعَاضِهَة، وعِضَة، وفي الحديث " لا تَعْضِية في مِيراثٍ "، وفسِّر : بأ، لا تفريق فيما يضر بالورثة تفريقه كسيفٍ يكسر نصفين فينقص ثمنه.
وقال الزمخشريُّ :" عِضِينَ " : أجزاء، جمع عِضَة، وأصلها عِضْوَة، فعلة من عضَّى الشاة، إذا جعلها أعضاءِ ؛ قال :[الزاجر]
٣٢٩٣ـ وليْسَ دِينُ اللهِ بالمُعَضَّى
وجمع " عِضَة " على " عِضِين "، كما جمع سنة، وثبة، وظبة وبعضهم يجري النون بالحركات مع التاء، وقد تقدم تقرير ذلك، وحينئذ تثبت نوه في الإضافة، فيقال : هذه عضينك.
وقيل : واحد العِضِين : عِضَةٌ، وأصلها : عِضْهَةٌ، فاستثقلوا الجمع بين هاتين،
٤٩٣
فقالوا : عِضَةٌ، كما قالوا : شَفَةٌ، والأصل : شَفْهَةٌ، بدليل قولهم : شافهنا.
قوله :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ يحتمل أن يعود الضمير إلى المقتسمين ؛ لأن الأقرب، ويحتمل أن يعود إلى جميع المكلفين، لأنَّ ذكرهم تقدَّم في قوله تعالى :﴿وَقُلْ إِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾ أي : لجميع [الخلائق].
﴿عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قال القرطبي : في البخاري : قال عدَّة من أهل العلم في وقوله تعالى :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ عن لا إله إلا الله.
فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وبين قوله :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ﴾ [الرحمن : ٣٩].
فأجابوا بوجوه : أولها : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لا يسألون سؤال استفهامٍ ؛ لأنه تعالى عالم بكلِّ أعمالهم، بل سؤال تقريع، فيقال لهم : لم فعلتم كذا ؟.
وهذا ضعيد ؛ لأنه لو كان المراد من قوله :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ﴾ [الرحمن : ٣٩] سؤال استفهام، لما كان في تخصيص هذا النفي بقولهم " يَومئِذٍ " فائدة ؛ لأنَّ مثل هذا السؤال على الله محالٌ في كلِّ الأوقات.
وثانيها : أنه يصرف للنفي إلى بعض الأوقات، والإثبات إلى وقت آخر ؛ لأنَّ يوم القيامة، يوم طويل، وفيه مواقف يسألون في بعضها، ولا يسألون في بعضها، قاله عكرمة عن ابن عباس ونظيره قوله تعالى :﴿هَـذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ [المرسلات : ٣٥]، وقال في آية أخرى :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ [الزمر : ٣١].
ولقائلٍ ِأن يقوله : قوله :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ﴾ [الرحمن : ٣٩] الآية : تصريحٌ بأنه لايحصل السؤال في ذلك اليوم، فلو حصل السؤال في جزء من أجزاء اليوم، لحصل التَّناقض.
وثالثها : أن قوله :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ﴾ [الرحمن : ٣٩] تفيد الآية النَّفي، وفي قوله ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ﴾ يعود إلى المقتسمين، وهذا خاص فيقدم على العام.
قوله :﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أصل الصَّدع : الشَّقُّ، صدعته فانصدع، أي : شَقَقتهُ، فانْشَقّ.
قال ابن السكِّيت : الصَّدعُ في اللغة : الشَّقٌّ، والفصل ؛ وانشد لجرير :[البسيط] ٣٢٩٤ـ هذَا الخَليفَةُ فارضَوْا ما قَضَى لَكُمُ
بالحَقِّ يَصْدعُ ما فِي قَولهِ جَنَفُ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٨٥
٤٩٤
ومنه التفرقة أيضاً ؛ كقوله :﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم : ٤٣] وقال :[الوافر] ٣٢٩٥ـ.....................
كَأنَّ بَياضَ غُرَّتهِ صَدِيعُ
والصَّديعُ : ضوءُ الفجر لانشقاقِ الظُّلمةِ عنه، يقال : انْصدعَ، وانْفلقَ، وانْفجرَ، وانْفطرَ الصُّبحُ، ومعنى " فَاصدَعْ " فرق بني الحقِّ والباطلِ وافْصِلْ بينهما.
وقال الراغب : الصَّدعُ : الشقُّ في الأجسام الصَّلبةِ كالزجاج، والحديد، وصدّعته بالتشديد، فتصدع وصَدعتهُ بالتخفيف، فانْصَدعَ، وصَدْعُ الرأس لتوهُّم الانشقاق فيه، وصدع الفلاة، أي : قطعها، من ذلك، كأنَّه تونهم تفريقها.
ومعنى " فاصْدَعُ " اقل ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ : أظهر.
وقال الضحاك : أعلم.
وقال الأخفش : فرِّق بين الحقِّ والباطل، وقال سيبويه : اقْضِ.
و " مَا " في قوله " بِمَا تُؤمَرُ " مصدرية، أو بمعنى الذي، والأصل تؤمر به، وهذا الفعل يطرد حذف الجار معه، فحذف العائد فيصح، وليس هو كقولك : جَاءَ الذي مررتُ، ونحوه :[البسيط] ٣٢٩٦ـ أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أمِرْتَ بِهِ
..............................


الصفحة التالية
Icon