وروى البخاريُّ أنَّ النبي ﷺ اتَّخذَ خاتماً من فضَّة ونقش فيه محمَّد رسول الله ".

فصل من حلف لا يلبس حلياً، فلبس لؤلؤاً لم يحنث، وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -.


وقال بعض المالكية :" هذا، وإن كان الاسم اللغويُّ يتناوله فلم يقصده باليمين، والأيمان مبنية على العرف، ألا ترى أنه لو حلف لا ينام على فراش فنام على الأرض لم يحنث وكذلك لو حلف لا يستضيء بسراج، وجلس في ضوء الشمس لا يحنث، وإن كان الله سمى الأرض فراشاً والشمس سراجاً ".
قوله :﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾، " تَرَى " جملة معترضة بين التعليلين : وهما " لِتأكُلوا "، " ولِتَبْتغُوا "، وإنما كانت اعتراضاً، لأنه خطاب لواحدٍ بين خطابين لجمعٍ.
و " فِيهِ " يجوز أن يتعلَّق بـ " تَرَى " وأن يتعلق بـ " مَوَاخِرَ " لأنها بمعنى شواقٍّ، وأن يتعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه حال من " مَواخِرَ " أو من الضمير المستكنِّ فيه.
و " مَواخِرَ " جمع مَاخِرَة، والمَخْرُ : الشقُّ، يقال : مَخرتِ السَّفينةُ البَحْرَ، أي : شقَّتهُ، تَمْخرُه مَخْراً ومُخوراً، ويقال للسُّفنِ : بَناتُ مَخْرٍ وبَخْرٍ، بالميم والباء بدل منها.
وقال الفراء : هُوَ صوتُ جري الفلك، وقيل : صوتُ شدَّة هُبوبِ الرِّيح، وقيل بنات مَخْر لسحاب [ينشأ] صيفاً، وامْتخَرْتَ الرِّيحَ واسْتَخْرْتَهَا : إذا استقبلتها بأنفك.
٣٠
وفي الحديث :" اسْتَمخِرُوا الرِّيحَ وأعِدُّوا النبْلَ " يعني في الاستنجاءِ، اي : ينظر أين مجراها وهبوبها ؛ فليستدبرها ؛ حتَّى لا يرد عليه البول.
والمَاخُورُ : الموضع الذي يباع فيه الخمر، و " تَرَى " هنا بصرية فقط.
قوله ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : عطفٌ على " لِتَأكُلوا " وما بينهما اعتراضٌ كما تقدم، وهذا هو الظاهر.
وثانيها : أنه عطفٌ على علَّةٍ محذوفةٍ، تقديره : لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، ذكره ابن الأنباري.
وثالثها : أنه متعلق بفعلٍ محذوفٍ، أي : فعل ذلك لتبتغوا.
وفيهما تكلُّف لا حاجة إليه.
ومعنى ﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ يعني : لتركبوها للتجارة ؛ لتطلبوا الرِّبْحَ من فضلِ الله، فإذا وجدتم فضل الله فلعلكم تشكرونه.
قوله تعالى :﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم﴾ والمقصود منه : ذكرُ بعض النعم التي خلقها الله في الأرض، وتقدم ذكر الرواسي.
قوله ﴿أَن تَمِيدَ بِكُم﴾ أي : كراهة أن تميدَ، أو لئلاَّ تميد، أي : تتحرَّك، والميدُ : هو الاضطرابُ [والتكفؤ]، ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحرِ : ميدٌ.
قال وهب :" لما خلق الله الأرض جعلت تمورُ ؛ فقالت الملائكة : إنَّ هذه غير مقرَّة أحدٍ على ظهرها، [فأصبحت] وقد أُرسيتْ بالجبالِ، فلم تدر الملائكة ممَّ خلقت الجبال ؛ كالسفينة إذا ألقيت في الماءِ، فإنها تميل من جانب إلى جانب، وتضطرب، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها، استقرت على وجه الماء ".
قال ابن الخطيب - رحمه الله - وهذا مشكلٌ من وجوهٍ : الأول : أنَّ هذا التعليل ؛ إمَّا أن يكون مع القولِ بأن حركاتِ هذه الأجسام بطبعها، أو ليست بطبعها ؛ بل هي واقعةٌ بتحريكِ الفاعل المختارِ، أمَّا على التقدير الأول فمشكلٌ ؛ لأن الأرض أثقل من الماءِ، والأثقل من الماء يغوص في الماءِ، ولا يبقى طافياً عليه، وإذا لم يبق طافياً، امتنع أن يقال : إنَّها تميلُ، وتميدُ وتضطرب، وهذا بخلاف السفينة ؛ لأنها متخذة من الخشب، وفي داخل الخشب تجويفات مملوءة من الهواء، فلهذا السَّبب تبقى الخشبةُ طافية على الماء، [فحينئذ] تميل وتميد وتضطرب على وجه الماء، فإذا أرسيت بالأجرام الثقيلة، استقرت وسكنت ؛ فافترقا.
٣١


الصفحة التالية
Icon