والثاني : أنَّ أصله النجوم، وفعل يجمع على فعول ؛ نحو : فَلْس وفُلُوس، ثم خفِّف بحذف الواو، كما قالوا : أسُد وأسُود وأسْد.
قال أبو البقاء ؛ " وقالوا في " خِيَام : خُيُم " يعني أنَّه نظيرهُ من حيث حذفوا فيه حرف المدِّ.
وقال ابن عصفورٍ :" إنَّ قولهم :" النُّجُم " من ضرورات الشِّعر " وأنشد :[الرجز] ٣٣٠٦ - إنَّ الذي قَضَى بِذَا قاضٍ حِكمْ
أن تَرِدَ الماءَ إذَا غَابَ النُّجُمْ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٠
يريد النجوم.
كقوله :[الرجز]
٣٣٠٧ - حَتَّى إذَا بُلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ
يريد الحُلُوق.
وأمَّا قراءة الضمِّ، والسكون، ففيها وجهان : أحدهما : أنها تخفيف من الضمِّ.
والثاني : أنها لغة مستقلة.
وتقديم كلِّ من الجارِّ، والمبتدأ، يفيد الاختصاص، قال الزمخشريُّ - رحمه الله - :" فإن قلت : قوله تعالى :﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ مختصٌّ بسفرِ البحر ؛ لأنه تعالى لما ذكر صفة البحر، ومنافعه، بيَّن أنَّ من يسير فيه يهتدون بالنجم.
وقال بعضهم : هو مطلقٌ في سفر البحر والبرِّ.
فصل في المراد بالعلامات المراد بالعلاماتِ : معالمُ الطريق، وهي الأشياء التي يهتدى بها، وهذه العلامات هي الجبالُ والرياحُ.
٣٤
قال ابنُ الخطيب :" ورايتُ جماعة يشمُّون التراب ؛ فيعرفون الطرقان بشمِّه ".
قال الأخفش - رحمه الله - : تم الكلام عند قوله :" وعَلامَاتٍ " ثم ابتدأ :﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾.
وقال محمد بن كعبٍ القرظيِّ، والكلبيُّ - رحمهما الله - : الجبالُ علاماتُ النَّهار، والنجوم علامات الليل.
قال السديُّ : أراد بالنجم : الثُّريَّا، وبنات نعش، والفرقدين، والجدي، يهتدى بها إلى الطرق، والقبلة.
قال القرطبيُّ : سأل ابنُ عباس رسول الله ﷺ وشرَّف وكرَّم - عن النَّجم ؛ فقال - صلوات الله وسلامه عليه - :" هُوَ الجَديُ عليْهِ قِبْلتكُمْ وبِهِ تَهْتَدونَ في بَرِّكُمْ وبَحْرِكُمْ "، وذلك أنَّ آخر الجدي بناتُ نعشٍ الصغرى، والقطب الذي تستوي عليه القبلة بينهما.
قوله تعالى :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ الآية لمَّا ذكر الدَّلائلَ الدالة على وجود الإله القادر الحكيم، أتبعه بذكر إبطال عبادة غير الله - تعالى - والمقصود أنَّه لما دلت الدلائل [القاهرة] على وجود إله قادرٍ حكيم، وثبت أنَّه هو المُولِي لجميع هذه النعم، والمعطي لكلِّ هذه الخيراتِ، فكيف يحسنُ في العقولِ الاشتغال بعبادة غيره، لا سيَّما إن كان غيره جماداً لا يفهم، ولا يعقل ؟.
فلهذا قال تعالى :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ﴾ هذه الأشياء التي ذكرناها ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾، أي كمن لا يقدر على شيء ألبتة ؛ ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ فإنَّ هذا القدر لا يحتاج إلى تدبُّر، ونظر ؛ بل يكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم، من أنَّ العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، وأنتم ترون في الشاهد إنساناً عاقلاً فاهماً ينعم بالنعم العظيمة ومع ذلك فتعلمون أنَّ عبادته تقبح، فهذه الأصنام جمادات محضة، ليس لها فهمٌ، ولا قدرة ولا غحساس، فكيف تعبدونها ؟.
قوله ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ إن أريد بـ ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ جميع ما عبد من دون الله، كان ورود " مَنْ " واضحاً ؛ لأنَّ العاقل يغلب على غيره، فيعبر عن الجميع بـ " مَنْ " ولو جيء أيضاً بـ " ما " لجاز، وإن أريد به الأصنام، ففي إيقاع " مَنْ " عليهم أوجهٌ :
٣٥
أحدها : إجراؤهم لها مجرى أولي العلم في عبادتهم إيَّاها، واعتقادِ أنَّها تضرُّ، وتنفع كقول الشاعر :[الطويل] ٣٣٠٨ - بَكيْتُ إلى سِرْبِ القَطَا إذْ مَرَرْنَ بِي
فقُلْتُ : ومِثْلِي بالبُكَاءِ جَدِيرُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٠
أسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَناحَهُ ؟
لَعلِّي إلى مَنْ قَدْ هَويتُ أطِيرُ