النون هنا، وفي المؤمنين، والباقون بفتح النون فيهما.
وهذه الجملة يجوز أن تكون مفسِّرة للعبرة، كأنه قيل : كيف العبرة ؟ فقيل : نسقيكم من بين فرثٍ، ودم لبناً خالصاً، ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ، [مضمر]، والجملة جواب لذلك السؤال، أي : هي، أي : العبرة نسقيكم، ويكون كقوله :" تَسْمعُ بالمُعيْديِّ خَيرٌ مِنْ أن تَراهُ ".
واختلف النَّاس : هل سَقَى، وأسْقَى لغتان بمعنى واحدٍ، أم بينهما فرقٌ ؟.
خلافٌ مشهورٌ، فقيل : هما بمعنى واحد، وأنشد جمعاً بين اللغتين فقال :[الوافر] ٣٣٣٣ - سَقَى قَومِي بَنِي مَجْدٍ وأسْقَى
نُمَيْراً والقَبائِلَ من هِلال
دعى للجميع بالسقي، والخصب، و " نُمَيْراً " هو المفعول الثاني، أي : ما نميراً، وللداعي لأرض بالسقيا وغيرها : أسقى فقط.
وقال الأزهري - رحمه الله - : العرب تقول لكلِّ ما كان من بطُونِ الأنعام، ومن السَّماء، أو نهر يجري أسقيته، أي : جعلته شرباً له، وجعلت له منه مسقى، فإذا كان للمنفعة قالوا :" سَقَى "، ولم يقولوا :" أسْقَى ".
وقال الفارسيُّ :" سقيْتهُ حتَّى رَوِيَ، وأسْقَيتهُ نَهْراً جَعَلتهُ لَهُ شرباً ".
وقيل : سقاهُ إذا ناوله الإناء ؛ ليشرب منه، ولا يقال من هذا أسقاه.
وقرأ أبو رجاء " يُسْقِيكُمْ " بضمِّ الياء من أسفل، وفي فاعله وجهان : أحدهما : هو الله - تعالى -.
والثاني : أنه ضمير النَّعم المدلول عليه بالأنعام، أي : نعماً يجعل لكم سقياه.
وقرئ :" تَسْقِيكُمْ " بفتح التاء من فوق.
قال ابن عطيَّة : وهي ضعيفةز قال أبو حيَّان :" وضعفها عنده - والله أعلم - أنه أنَّث في :" نُسقِيكُم " وذكر في
٩٩
قوله :" ممَّا في بطُونهِ "، ولا ضعف من هذه الجهة ؛ لأنَّ التَّذكير، والتَّأنيث باعتبارين ".
قال شهابُ الدِّين : وضعفها عنده من حيث المعنى، وهو أنَّ المقصود الامتنان على الخلقِ، فنسبة السقي إلى الله هو الملائمُ لا نسبته إلى الأنعام.
قوله :﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ يجوز أن تكون " مِنْ " للتبعيض، وأن تكون لابتداء الغاية وعاد الضمير ها هنا على الأنعام مفرداً مذكراً.
قال الزمخشريُّ : ذكر سيبويه الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال، كقولهم " ثَوْب أسْمَال "، ولذلك رجع الضمير إليه مفرداً، وأمَّا ﴿فِي بُطُونِهَا﴾ [المؤمنون : ٢١] في سورة المؤمنين، فلأنَّ معناه الجمع، ويجوز أن يقال في " الأنعام " وجهان : أحدهما : أن يكون جمع تكسير :" نَعَم " كأجْبَال في جَبَل.
وأن يكون اسماً مفرداً مقتضياً لمعنى الجمعِ، فإذا ذكر، فكما يذكر " نَعَم " في قوله :[الرجز] ٣٣٣٤ - في كُلِّ عَامٍ نَعَمٌ يَحْوُونَهُ
يُلْقِحهُ قَومٌ ويَنتِجُونَهُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٩٨
وإذا أنَّث ففيه وجهان : أنه تكسير نعم، وأنه في معنى الجمع.
قال أبو حيَّان : أمَّا ما ذكرهُ عن سيبويه، ففي كتابه في هذا الباب، ما كان على مثال مفاعل، ومفاعيل ما نصُّه :" وأمَّا أجمال، وفلوس فإنَّها تنصرف، وما أشبهها ؛ لأنها ضارعت الواحد، ألا ترى أنك تقول : أقْوَال، وأقَاوِيل، وأعْرَاب، وأعَارِيب، وأيْدٍ، وأيَادٍ فهذه الأحرف تخرج إلى مثال : مفَاعِل، ومفَاعِيل كما يخرج إليه الواحد، إذا كسر الجمع، وأما مفاعل، ومفاعيل، فلا يكسر ؛ فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا البناء ؛ لأنَّ هذا البناء هو الغاية فلما ضارعت الواحد صرفت ".
ثمَّ قال : وكذلك الفعول لو كسرت مثل الفلوس ؛ لأن يجمع جمعاً لأخرجته إلى فَعائِل كما تقول : جَدُود، وجَدائِد، ورَكُوب، ورَكائِب، وركاب.
ولو فعلت ذلك بمفاعل، ومفاعيل، لم يجاوز هذا البناء، ويقوي ذلك أنَّ بعض العرب تقول :" أُتي " للواحد فيضم الألف، وأمَّا أفعال ؛ فقد تقع للواحد، من العرب من يقول :" هو الأنعامُ "، قال - الله عزَّ وجلَّ - :﴿نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾.
وقال أبو الخطَّاب :
١٠٠
سمعت من العرب من يقول : هذا ثوب أكياش.
قال : والذي ذكره سيبويه : هو الفرق بين مفاعل ومفاعيل، وبين أفعال وفُعول وإن كان الجميع أبنية للجمع من حيث إنَّ مفاعل، ومفَاعِيل لا يجمعان، وأفعالٌ وفعولٌ قد يخرجان إلى بناء شبه مفاعل، أو مفاعيل فلما كانا قد يخرجان إلى ذلك انصرفا، ولم ينصرف " مفاعل " و " مفاعيل " لشبه ذينك بالمفرد من حيث إنه يمكن جمعها وامتناع هذين من الجمع، ثمَّ قوي شبههما بالمفرد بأن بعض العرب يقول في " أَتى " " أُتى " بضم الهمزة، يعني أنه قد جاء نادراً فعول، من غير المصدر للمفرد، وبأن بعض العرب قد يوقع أفعالاً للمفرد من حيث أفرد الضمير فيقول : هو الأنعامُ، وإنَّما ذلك على سبيل المجاز ؛ لأنَّ الأنعام في معنى النعم والنَّعَم يفرد ؛ كحما قال الشاعر :[الوافر] ٣٣٣٥ - تَركْنَا الخَيْلَ والنَّعََ المفدَّى
وقُلْنَا للنِّساءِ بها : أقِيمِي


الصفحة التالية
Icon