قال الواحدي :" و " الأعْنابِ " عطف على الثَّمرات لا على " النَّخيل " ؛ لنَّه يصير التقدير : ومن ثمرات الأعناب، والعنب نفسه ثمرة وليس له ثمرة أخرى ".
والسَّكرُ : بفتحتين فيه أقوال : أحدها : أنه من أسماء الخمر ؛ كقول الشاعر :[البسيط] ٣٣٤٠ - بِئْسَ الصُّحَاةُ وبِئْسَ الشَّرْبُ شَرْبُهُم
إذَا جَرَى فِيهِمُ المُزَّاءُ والسَّكرُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٩٨
الثاني : أنه في الأصل مصدر، ثم سمِّي به الخمر، يقال : سَكرَ يَسْكَرُ سُكْراً وسَكَراً ؛ نحو : رَشِد يَرشَدُ رُشْداً ورَشَداً ؛ قال الشاعر :[الوافر] ٣٣٤١ - وجَاءُونَا بِهمْ سَكَرٌ عَليْنَا
فأجْلَى اليَومُ والسَّكرانُ صَاحِي
قاله الزمخشري.
الثالث : أنه اسم للخلِّ بلغة الحبشة ؛ قاله ابن عبَّاس.
الرابع : أنه اسم للعصير ما دام حلواً ؛ كأنَّه سمِّي بذلك لمىله لذلك لو ترك.
الخامس : أنه اسم للطعم، قاله ابو عبيدةح وأنشد :[الرجز}
٣٣٤٢ - جَعَلتُ أعْراضَ الكِرامِ سَكَرَا
أي : تنقلتُ بأعراضهم.
وقيل في البيت بأنه من الخمر، وأنه إذا انتهك أعراض النَّاس كان يخمر بها.
وقال الضحاك والنَّخعي ومن يبيحُ شرب النبيذ : السَّكر هو النبيذ ؛ وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتدَّ، والمطبوخ من العصير.
ومن حرَّمه يقول : المراد من الآية : الإخبار لا الإحلال.
قوله :﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ يجوز أن يكون من عطف المتغايرات، وهو الظاهر ؛ كما قال المفسرون : إنه كالزَّبيب والخلِّ والدِّبس ونحو ذلك وأن يكون من عطف الصِّفات بعضها على بعضٍ، أي : تتَّخذون منه ما يجمع بين السَّكر والرِّزق الحسن ؛ كقوله :[المتقارب]
١٠٨
٣٣٤٣
- إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمام
...................
فصل ذهب ابن مسعود، وابن عمر، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد إلى أن السَّكر الخمر، والرزق الحسن الخلُّ والربُّ والتَّمر والزَّبيب.
قالوا : وهذا قبل تحريم الخمر ؛ لأن هذه السورة مكية، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة.
قال بعضهم : ولا حاجة إلى التزام النَّسخ ؛ لأنه - تعالى - ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع، وخاطب المشركين بها ؛ لأنها من أشربتهم، فهي منفعة في حقِّهم.
ثم إنه - تعالى - نبَّه في هذه الآية أيضاً على تحريمها ؛ لأنه ميَّز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر، فوجب أنَّ السَّكر لا يكون رزقاً حسناً ؛ وهو حسن بحسب الشَّهوة، فوجب أن يقال : بأن الرجوع عن كونه حسناً بحسب الشَّريعة، وإنَّما يكون كذلك إذا كانت محرَّمة.
ثم إنه - تعالى - لمَّا ذكر هذه الوجوه الَّتي هي دلائل على التَّوحيد من وجه، وتعديد للنِّعم العظيمة من وجه آخر - قال - جل ذكره - :﴿إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ أي : من كان عاقلاً، علم بالضرورة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله تعالى -، فيحتجُّ بأصولها على وجود الإله القادر الحكيم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٩٨
قوله تعالى ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ الآية لما بيَّن أن إخراج الألبان من النَّعم، وإخراج السَّكر من ثمرات النَّخيل والأعناب دلائلٌ قاهرة على أنَّ لهذا العالم إلهاً قادراً
١٠٩


الصفحة التالية
Icon