فلانٌ عن الأمْرِ : إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه، فمعنى " كلٌّ على مولاهُ "، أي : غليظٌ وثقيلٌ على مولاه أهل ولايته ".
قوله :﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ﴾ شرط وجزاؤه، وقرأ ابن مسعود، وابن وثَّاب، وعلقمة :" يُوَجِّهْ " بهاء واحدة ساكنة للجزم، وفي فاعله وجهان : أحدهما : ضمير الباري - تعالى -، ومفعوله محذوف ؛ [تقديره كقراءة العامة].
والثاني : أنه ضمير الأبكم، ويكون " يُوجِّهْ " لازماً بمعنى " يَتوَجَّهُ ".
يقال : وجَّه وتوجَّهَ بمعنًى، وقرأ علقمة أيضاً وطلحة كذلك، إلاَّ أنه بضم الهاءِ، وفيها أوجه : أحدها : أنَّ " أيْنَمَا " ليست هنا شرطيَّة، و " يُوَجِّهُ " خبر مبتدأ مضمر، أي : أيْنَمَا هو يوجه، أي : الله - تعالى -، والمفعول محذوف، وحذفت الياء من قوله :" لا يَأتِ " تخفيفاً ؛ كما حذفت في قوله :﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ [هود : ١٠٥] و ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر : ٤].
والثاني : أن لام الكلمة حذفت تخفيفاً لأجل التضعيف، وهذه الهاء هي الضمير، فلم يحلها جزم، ذكر هذين الوجهين أبو الفضل الرَّازي.
الثالث : أن " أيْنَمَا " أهملت حملاً على " إذَا " ؛ لما بينهما من الأخُوَّةِ في الشرط ؛ كما حملت " إذا " عليها في الجزم في بعض المواضع، وحذفت الباء من " يَأتِ " تخفيفاً أو جزم على التوهُّم، ويكون " يُوجِّهُ " لازماً بمعنى :" يَتوجَّهُ " كما تقدَّم.
وقرأ عبد الله أيضاً :" تُوَجِّههُ " بهاءين بتاء الخطاب، وقال أبو حاتم - وقد حكى هذه القراءة - :" إنَّ هذها لقراءة ضعيفة ؛ لأن الجزم لازم " وكأنه لم يعرف توجيهها، وقرأ علقمة وطلحة أيضاً :" يُوجَّهْ " بهاء واحدة ساكنة للجزم، والفِعْل مبني للمفعول ؛ وهي واضحة.
وقرأ ابن مسعود أيضاً :" تُوَجِّههُ " كالعامة إلا أنه بتاء الخطاب، وفيه التفاتٌ، وفي الكلام حذف وهو حذف المقابل ؛ لقوله :﴿أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ كأنه قيل : والآخر ناطقٌ متصرف في ماله، وهو خفيف على مولاه ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾، ودلَّ على ذلك ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾.
ونقل أبو البقاءِ - رحمه الله - أنه قرئ :" أيْنَمَا تَوجَّه " بالتَّاء وفتح الجيم والهاء فعلاً ماضياً فاعله ضمير الأبكم.
١٢٥
قوله :﴿وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ الرَّاجح أن يكون مرفوعاً ؛ عطفاً على الضمير المرفوع في " يَسْتَوِي "، وسوَّغه الفصل بالضمير، والنصب على المعيَّة مرجوح، والجملة من قوله :﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ﴾ إمَّأ استئنافٌ أو حال.
فصل لمَّا وصف الله أحد الرَّجُليْن بهذه الصِّفات الأربع، وهذه صفات الأصنام وهو أنَّه أبكم لا يقدر على شيءٍ، أي : عاجز كلٌّ على مولاه، ثقيل، أينما يرسله لا يأت بخير ؛ لأن أبكم لا يفهم، قال : هل يستوي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع، وهذه صفات الأصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تنطق، وهو كلٌّ على عابده يحتاج إلى أن يحمله ويخدمه ويضعه، ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ يعني : الله قادر متكلِّم يأمر بالتَّوحيد، ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
قال الكلبي : يدلكم على صراط مستقيم.
وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل : كِلا المثلين للمؤمن والكافر، يرويه عطيَّة عن ابن عباس رضي الله عنه.
قال عطاء : الأبكم : أبيُّ بن خلف، ﴿وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ : حمزة، وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون - رضي الله عنهم -.
وقال مقاتل : نزلت في هاشم بن عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي، وكان قليل الخير، يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل : نزلت في عثمان بن عفَّان ومولاه، كان مولاه يكره الإسلام.
وقيل : المراد كل عبد موصوف بهذه الصفات الذَّميمة، وكل حرٍّ موصوف بتلك الصفات الحميدة، وهذا أولى من القول الول ؛ لأن وصفه - تعالى - إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن، وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله - تعالى -.
قوله - تعالى - :﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ الآية لما مثَّل الكافر بالأبكم العاجز، ومثَّل نفسه بالذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومعلومٌ أنه لا يكون آمراً بالعدل وهو على صراط مستقيم إلاّ إذا كان كاملاً في العلمِ والقدرةِ فذكر في هذه الآية بيان كونه كاملاً في العلم والقدرة.
١٢٦


الصفحة التالية
Icon