ونساءٌ أثائِثُ، أي : كثيرات اللحم كأنّ عليهن أثاثاً، وفلان كثر أثاثهُ.
وقال الزمخشري : الأثاث ما جدَّ من فرش البيت، والخُرثيُّ : ما قدم منها ؛ وأنشد :[البسيط] ٣٣٥٥ - تَقادمَ العَهْدُ من أمِّ الوليدِ بِنَا
دَهْراً وصَارَ أثَاثُ البيتِ خُرثِيَّا
وهل له واحدٌ من لفظه ؟ فقال الفراء : لا، وقال أبو زيد : واحده أثاثة وجمعه في القلَّة : أثثة ؛ كـ " بَتَات " و " أبتَّة "، وقال أبو حيَّان : وفي الكثير على أثث، وفيه نظر ؛ لأن " فعالاً " المضعَّف يلزم جمعة على أفعلة في القلَّة والكثرة، ولا يجمع على " فُعُل " إلا في لفظتين شذَّتا، وهما : عُيُن وحُجُج جمع عيَّان وحجَّاج، وقد نص النحاة على منع القياس عليهما، فلا يجوز : زمام وزُمُم بل أزمَّة وقال الخليل : الأثاث والمتاع واحد، وجمع بينهما لاختلاف لفظهما ؛ كقوله :[الوافر] ٣٣٥٦ -..................
وألْفَى قَوْلهَا كَذِباً ومَيْنَا
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٢٧
وقوله :[الطويل] ٣٣٥٧ -..................
وهِنْدٌ أتَى من دُونِهَا النَّأيُ والبُعْدُ
وقيل : متاعاً : بلاغاً ينتفعون به، " إلى حين " يعني : الموت، وقيل : إلى حين البِلَى.
قوله - تعالى - :﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً﴾ الآية فالإنسانُ إما أن يكون مقيماً أو مسافراً، والمسافر إمَّا أن يكون غنيًّا يستصحب معه الخيام أو لا.
فالقسم الأول أشار إليه بقوله :﴿جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً﴾، وأشار إلى القسم
١٣٣
الثاني بقوله :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً﴾ وأشار إلى القسم الثالث بقوله تعالى :﴿جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً﴾ فإن المسافر إذا لم يكن له خيمة يستظل بها، فإنَّه لا بد وأن يستظلَّ إما بجدار أو شجرٍ أو بالغمامِ ؛ كما قال - سبحانه - :﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ﴾ [الأعراف : ١٦٠].
قوله تعالى :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً﴾ جمع " كِنّ " ؛ وهو ما حفظ من الرِّيحِ والمطرِ، وهو في الجبل : الغار، وقيل : كلُّ شيءٍ وقَى شيْئاً، ويقال : اسْتكن وأكَنّ، إذا صار في كنٍّ.
واعلم أ بلاد العرب شديدة الحرِّ، وحاجتهم إلى الظلِّ ودفع الحرِّ شديدة ؛ فلهذا ذكر الله - تعالى - هذه المعاني في معرض النِّعمة العظيمة، وذكر الجبال ولم يذكر السهول وما جعل لهم من السهول أكثر ؛ لأنهم كانوا أصحاب جبال، كما قال - تعالى - :﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ﴾ ؛ لأنَّهم كانوا أصحاب وبر وشعر، كما قال - عز وجل - :﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ [النور : ٤٣] وما أنزل من الثلج أكثر لكنهم كانوا لا يعرفون الثَّلج.
وقال ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وما يَقِي من البرد أكثر ؛ لأنهم كانوا أصحاب حرٍّ.
ولمَّا ذكر الله - تعالى - أمر المسكن، ذكر بعده أمر الملبُوسِ ؛ فقال - جل ذكره - :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ والسَّرابيل : القُمص واحدها سربال.
قال الزجاج - رحمه الله - :" كل ما لبسته فهو سِرْبال، من قميصٍ أو دِرْعٍ أو جَوشنٍ أو غيره " ؛ وذلك لأن الله - تعالى - جعل السَّرابيل قسمين : أحدهما : ما يقي الحرَّ والبرد.
والثاني : ما يتقى به من البأسِ والحروب.
فإن قيل : لم ذكر الحرَّ ولم يذكر البرد ؟.
فالجواب من وجوه : أحدها : قال عطاء الخراساني : المخاطبون بهذا الكلام هم العرب، وبلادهم حارَّة [يابسة]، فكانت حاجتهم إلى ما يدفع الحرَّ أشدَّ من حاجتهم إلى ما يدفع البرد : كما قال - سبحانه وتعالى - ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ﴾ وسائر أنواع الثياب أشرف، إلا أنه - تعالى - ذكر هذا النَّوع ؛ لأن عادتهم بلبسها أكثر.
والثاني : قال المبرِّد : ذكر أحد الضِّدَّين تنبيه على الآخر ؛ كقوله :[الطويل] ٣٣٥٨ - كَأنَّ الحَصَى من خَلْفِهَا وأمَامِهَا
إذَا حَذفَتْهُ رجْلُهَا خَذفُ أعْسَرَا
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٢٧
لمَّا ثبت في العلوم العقليَّة أن العلم بأحد الضِّدين يستلزم العلم بالضدِّ الآخر، فإنَّ
١٣٤