من قامت السّوق : إذا أنفقت ؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات، وإذا أضيفت كانت كالشّيء الكاسد الذي لا يرغب فيه.
أو يكون عبارة عن تعديل أركانها، وحفظها من أن يقع خَلَل في فرائضها وسُننها، أو يكون من قام بالأمر، وقامت الحرب على ساق.
وفي ضده : قعد عن الأمر، وتقاعد عنه : إذا تقاعس وتثبط، فعلى هذا يكون عبارة عن التجرُّد لأدائها، وألاّ يكون في تأديتها فُتُور، أو يكون عبارةً عن أدائها، وإنما عبر عن الأداء بالإقامة ؛ لأن القيام ببعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت.
وذكر الصّلاة بلفظ الواحد، وأن المراد بها الخمس كقوله تعالى :﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة : ٢١٣] يعني : الكتب.
و " الصّلاة " مفعول به، ووزنها :" فَعضلَة "، ولامها واو، لقولهم : صَلَوات، وإنما تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، واشتقاقها من :" الصَّلَوَيْنِ " وهما عِرْقَان في الوِرْكَيْنِ مفترقان من " الصّلاَ "، وهو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ في الظهر منه يتفرق الصَّلَوان عند عَجَبِ الذَّنْبِ، وذلك أن المصلّي يحرك صَلَوَيْهِ، ومنه " المُصَلِّي " في حَلَبَةِ السِّباق لمجيئه ثانياً عند " صَلَوَي " السابق.
ذكره الزَّمخشري.
قال ابن الخطيب : وهذا يفضي إلى طَعْنٍ عظيم في كون القرآن حُجّة ؛ وذلك لأن لفظ " الصلاة " من أشدّ الألفاظ شهرة، وأكثرها درواناً على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصّلوين من أبعد الأشياء اشتهاراًَ فيما بين أهل النقل، ولو جوزنا أن [يقال] : مسمى الصلاة في الأصل ما ذكره، ثم إنه خفي واندرس حتى صار بحيث لا يعرفه إلاّ الآحاد لكان مثله في سائر الألفاظ جائزاً، ولو جوزنا ذلك لما قطعنا بأن مراد الله - تعالى - من هذه الألفاظ ما تتبادر أفهامنا إليه من المَعَاني في زماننا هذا، لاحتمال أنها كانت في زمن الرسول موضوعة لمعانٍ أخر، وكان مراد الله - تعالى - تلك المعان]، إلاّ أن تلك المعاني خَفِيت في زماننا، واندرست كما وقع مثله في هذه اللَّفظة، فلما كان ذلك باطلاً بإجماع المسلمين علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن بعثة محمد - عليه الصلاة والسلام - بالإسلام، وتجديد الشريعة أمر طبق الآفاق، ولا شَكّ أنه وضع عبارات، فاحتاج إلى وضع ألفاظ، ونقل ألفاظ عمّا كانت عليه، والتعبير مشهور.
وأما ما ذكره من احتمال التعبير فلا دليل عليه، ولا ضرورة إلى تقديره فافترقا.
٢٨٩
و " الصَّلاة " لغة : الدّعاءُ :[ومنه قول الشاعر] [البسيط] ١٢٢ - تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحلاً
يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأَوْصَابَ وَالوَجَعَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧٩
فَعَلَيكِ مِثْلُ الَّذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي
يَوماً فَإِنَّ لجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجِعاً
أي : مثل الَّذي دعوت، ومثله :[الطويل] ١٢٣ - لَهَا حَارِسٌ لاَ يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا
وإِن ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا
وفي الشرع : هذه العبادة المعروفة.
وقيل : هي مأخوذة من اللزوم، ومنه :" صَلِيَ بِالنَّارِ " أي : لزمها، ومنه قوله تعالى :﴿تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾ [الغاشية : ٤] قال :[الخفيف] ١٢٤ - لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّـ
ـهُ وإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَومَ صَالِ
وقيل : من صَلَيْتُ العودَ بالنَّار، أي : قَوَّمْتُهُ بالصَّلاَء - وهو حَرّ النار، إذا فَتَحْتَ قَصَرْتَ، وإن كَسَرْتَ مَدَدْتَ، كأن المصلِّي يُقَوِّم نفسه ؛ قال :[الوافر] ١٢٥ - فَلاَ تَعْجَلْ بِأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ
فَمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيمِ
ذكر ذلك الخَارزنجِيّ، وجماعة أجلّة، وهو مشكل، فإن " الصلاة " من ذوات الواو، وهذا من الياء.
وقيل في قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب : ٥٦] الآية : إنّ الصّلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاسْتِغْفَار، ومن المؤمنين الدعاء.
﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ مما : جاء ومَجْرور متعلّق بـ " ينفقون " و " ينفقون " معطوف على الصّلة قبله، و " ما " المجرورة تحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون اسماً بمعنى " الذي "، و " رزقناهم " صِلَتِهَا، والعائد محذوف.
قال أبو البقاء :" تقديره رزقناهموه، أو رزقناهم إياه ".
٢٩١
وعلى كل واحد من هذين التقديرين إشكال ؛ لأن تقديره متصلاً يلزم منه اتصال الضَّمير مع اتحاد الرُّتبة، وهو واجب الانفصال، وتقديره منفصلاً يمنع حذفه ؛ لأنَّ العائد متى كان منفصلاً امتنع حذفه، نصُّوا عليه، وعللوا بأنه لم يفصل إلا لغرض، وإذا حذف فاتت الدلالة على ذلك الغرض.
ويمكن أن يجاب عن الأوّل بأنه لما اختلف الضَّميران جمعاً وإفراداً - وإن اتحدا رتبةً - جاز اتصاله ؛ ويكون كقوله :[الطويل] ١٢٦ - فَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ لِضَغْمَةٍ
لِضَغْمِهمَاهَا يَقْرَعُ الْعَظْمَ نَابُهَا