عنه - أنه قال في هذه الآية : كان الأصلُ :" ووصَّى ربُّكَ "، فالتصقت إحدى الواوين بالصَّاد، فصارت قافاً فقرئ " وقَضَى ربُّكَ ".
ثم قال : ولو كان على القضاء ما عصى الله أحدٌ قط ؛ لأنَّ خلاف قضاء الله ممتنعٌ، هذا رواه عنه الضحاك بنُ مزاحم، وسعيد بن جبيرٍ، وهو قراءة عليٍّ وعبد الله.
وهذا القول بعيدٌ جدًّا ؛ لأنه يفتح باب أنَّ التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن، ولو جوَّزنا ذلك، لارتفع الأمانُ عن القرآن، وذلك يخرجه عن كونه حجَّة، وذلك طعنُ عظيمٌ في الدِّين.
وقرأ الجمهور " قَضَى " فعلاً ماضياً، فقيل : هي على موضوعها الأصلي ؛ قال ابن عطية :" ويكون الضمير في " تَعْبدُوا " للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة ".
وقال ابن عبَّاس وقتادة والحسن بمعنى : أمَرَ.
وقال مجاهد : بمعنى : أوصى.
وقال الربيع بن أنسٍ : أوجب وألزم.
وقيل بمعنى : حكم.
وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل :" وقضاءُ ربِّك " اسماً مصدراً مرفوعاً بالابتداء، و " ألاَّ تَعْبدُوا " خبره.
قوله تعالى :﴿أَلاَّ تَعْبُدُوا ااْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ : يجوز أن تكون " أنْ " مفسرة ؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، و " لا " ناهية، ل تكون الناصبة، و " لا " نافية، أي : بأن لا، ويجوز أن تكون المخففة، واسمها ضمير الشأن، و " لا " ناهية أيضاً، والجملة خبرها، وفيه إشكال ؛ من حيث وقوع الطَّلب خبراً لهذا الباب، ومثله في هذا الإشكال قوله :﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ [النمل : ٨]، وقوله :﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَآ﴾ [النور : ٩] لكونه دعاء، وهو طلبٌ أيضاً، ويجوز أن تكون الناصبة، و " لا " زائدة.
[قال أبو البقاء :" ويجوز أن
٢٤٨
يكون في موضع نصب، [أي :] ألزم ربُّك عبادته و " لا " زائدة " ].
قال أبو حيَّان :" وهذا وهمٌ ؛ لدخول " إلاَّ " على مفعول " تَعْبدُوا " فلزم أن يكون نفياً، أو نهياً ".
قوله تعالى :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ قد تقدم نظيره في البقرة.
وقال الحوفي :" الباء متعلقة بـ " قَضَى " ويجوز أن تكون متعلقة بفعلٍ محذوف تقديره : وأوصى بالوالدين إحساناً، و " إحساناً " مصدر، أي : يحسنون بالوالدين إحساناً ".
وقال الواحديُّ :" الباءُ من صلة الإحسان، فقدِّمت عليه ؛ كما تقول : بزيدٍ فانزل " وقد منع الزمخشري هذا الوجه ؛ قال :" لأنَّ المصدر لا يتقدَّم عليه معموله ".
قال شهاب الدين : والذي ينبغي أن يقال : إنَّ هذا المصدر إن عنى به أنَّه ينحلُّ لحرفٍ مصدريٍّ، وفعلٍ، فالأمر على ما ذكر الزمخشريُّ، وإن كان بدلاً من اللفظ بالفعل، فالأمرُ على ما قال الواحديُّ، فالجوازُ والمنع بهذين الاعتبارين.
وقال ابن عطية :" قوله ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ عطف على " أنْ " الأولى، أي : أمر الله ألاَّ تعبدوا إلاَّ إيَّاه، وأن تحسنوا بالوالدين إحساناً ".
واختا رأبو حيَّان أن يكون " إحْسَاناً " مصدراً واقعاً موقع الفعل، وأنَّ " أنْ " مفسرة، و " لا " ناهية، قال : فيكون قد عطف ما هو بمعنى الأمر على نهيٍ ؛ كقوله :[الطويل] ٣٣٩٤ -.................
يقُولُونَ : لا تهْلِكَ أسًى وتَجمَّلِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٤٧
قلت : و " أحْسنَ " و " أسَاءَ " يتعدَّيان بـ " إلى " وبـ " الباء ".
قال تعالى :﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَى ﴾ [يوسف : ١٠٠] وقال كثير عزَّة :[الطويل] ٣٣٩٥ - أسِيئي بِنَا أو أحْسِنِي لا مَلُومَة
...................
وكأنه ضُمِّن " أحْسنَ " لمعنى " لَطُفَ " فتعدَّى تعديته.
فصل في نظم الآية لماأمر بعبادة نفسه أتبعه ببرِّ الوالدين، ووجه المناسبة بين الأمرين أمورٌ : أوَّلها : أنَّ السبب الحقيقيَّ لوجود الإنسان هو تخليق الله وإيجاده، والسبب الظاهريّ هو الأبوان، فأمر بتعظيم السبب الحقيقي، ثم أتبعه بالأمر بتعظيم السبب الظاهري.
وثانيها : أنَّ الموجود : إما قديمٌ، وإما محدث، ويجب أن تكون معاملة الإنسان مع الإله القديم بالتعظيم والعبودية، ومع المحدث بإظهار الشفقة، وهو المراد من قوله - صلوات الله البرِّ الرَّحيم وسلامه عليه - :" والتعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله "
٢٤٩