يجب الإتيان بها بعد " أمَّا " وإن كان أبو إسحاق قال بوجوب ذلك، وقوله بعد ذلك : كما أنَّك إن شِئْتَ لم تجئ بـ " مَا " ليس فيه دليلٌ على جواز توكيد الشَّرط مع " إنْ " وحدها.
و " عِندكَ " ظرفٌ لـ " يَبْلغَنَّ " و " كِلا " مثناةٌ معنى من غير خلاف، وإنما اختلفوا في تثنيتها لفظاً : فمذهب البصريِّين : أنها مفردة لفظاً، ووزنها على فعل ؛ كـ " مِعَى " وألفها منقلبة عن واوٍ، بدليل قلبها تاء في " كِلْتَا " مؤنث " كِلا " هذا هو المشهور، وقيل : ألفها عن ياءٍ، وليس بشيءٍ، وقال الكوفيُّون : هي مثناة لفظاً ؛ وتبعهم السهيليُّ مستدلِّين على ذلك بقوله :[الرجز] ٣٤٠١ - في كِلْتِ رِجْليْهَا سُلامَى وَاحِده
.................
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٤٧
فنطق بمفردها ؛ ولذلك تعربُ بالألف رفعاً والياء نصباً وجراً، فألفها زائدة على ماهية الكلمة كألف " الزيدان " ÷ ولامها محذوفة عند السهيليِّ، ولم يأت عن الكوفيين نصٌّ في ذلك، فاحتمل أن يكون الأمر كما قال السهيليُّ، وأن تكون موضوعة على حرفين فقط، لأنَّ مذهبهم جواز ذلك في الأسماءِ المعربة.
قال أبو الهيثن الرَّازيُّ وأبو الفتح الموصليُّ، وأبو عليٍّ الجرجانيُّ إن " كلا " اسم مفرد يفيد معنى التثنية، ووزنه فعل، ولامه معتلٌّ بمنزلة لام " حِجَى ورِضَى " وهي كلمة وضعت على هذه الخلقة يؤكد بها الاثنان خاصة، ولا تكون إلا مضافة ؛ لأنَّها لو كانت تثنية، لوجب أن يقال في النَّصب والخفض :" مَرَرْتُ بِكلَي الرَّجليْنِ " بكسر الياء، كما يقال :" بَيْنَ يَدي الرَّجُل : و " مِنْ ثُلُثي اللَّيْلِ " و " يَا صَاحِبَي السِّجْنِ " و " طَرفي النَّهارِ "، ولما لم يكن كذلك، علمنا أنَّها ليست تثنية، بل هي لفظة مفردة، وضعت للدلالة على التثنية، كما أنَّ لفظة " كُل " اسمٌ واحدٌ موضوع للجماعة، فإذن أخبرت عن لفظه، كما تخبر عن الواحد ؛ كقوله تعالى :﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾ [مريم : ٩٥]، فكذا إن أخبرت عن " كِلاَ " أخبرت عن واحدٍ، فقلت : كلا أخويك كان قائماً.
قال الله تعالى :﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف : ٣٣].
ولم يقل :" آتَنَا ".
وحكمها : أنَّها متى أضيفت إلى مضمرٍ أعربت إعراب المثنى، أو إلى ظاهر، أعْرِبت إعراب المقصور عند جمهور العرب، وبنو كنانة يعربونها إعراب المثنى مطلقاً، فيقولون : رأيت كِلَى أخوَيْكَ، وكونها جرتْ مجرى المثنى مع المضمر، دون الظاهر يطول ذكره.
٢٥٤
ومن أحكامها : أنَّها لا تضافُ إلاَّ إلى مثنى لفظاً [ومعنى نحو :" كلا الرَّجليْنِ " ]، أو معنى لا لفظاً ؛ نحو :" كِلانَا " ولا تضاف إلى مفرَّقين بالعطف نحو " كِلا زَيْدٍ وعمرٍو " إلا في ضرورةٍ ؛ كقوله :[الطويل] ٣٤٠٢ - إنَّ للخَيْرِ وللشَّرِّ مَدًى
وكِلاَ ذلِكَ وجْهُ وقَبَلْ
والأكثر مطابقتها فيفرد خبرها وضميرها ؛ نحو : كلاهما قائم، وكلاهما ضربته، ويجوز في قليل : قائمان، وضربتهما ؛ اعتباراً بمعناهما، وقد جمع الشاعر بينهما في قوله :[البسيط] ٣٤٠٤ - كِلاهُمَأ حِينَ جَدَّ الجَرْيُ بَيْنهُمَا
قَد أقْلعَا وكِلاَ أنْفَيهِمَا رَابِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٤٧
وقد يتعيَّن اعتبارُ اللفظ ؛ نحو : كلانا كفيل صاحبه، وقد يتعيَّن اعتبارُ المعنى، ويستعمل تابعاً توكيداً، وقد لا يتبع، فيقع مبتدأ، ومفعولاً به، ومجرورواً، و " كِلْتَا " في جميع ما ذكر كـ " كِلا " وتاؤها بدل عنواو، وألفها للتأنيث، ووزنها فعلى ؛ كذكرى، وقال يونس : ألفها أصلٌ، وتاؤها مزيدة، ووزنها فعتلٌ، وقد ردَّ عليه الناس، والنسب إليها عند سيبويه :" كِلْوِي " كمذكرها، وعند يونس : كِلْتَوِيّ ؛ لئلا تلتبس، ومعنى الآية أنَّهما يبلغان إلى حالة الضَّعف والعجز، فيصيران عندك في ىخر العمر، كما كنت عندهما في أوَّل العمر.
قوله تعالى :﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ قوله : أفّ : اسم فعلٍ مضارعٍ بمعنى أتضجَّر، وهو قليلٌ ؛ فإنَّ أكثر باب أسماء الأفعال أوامر، وأقل منه اسم الماضي، وأقلُّ منه اسم المضارع ؛ كـ " أف " وأوَّه، أي : أتوجَّع، وويْ، أي : أعجبُ، وكان من حقِّها أن تعرب ؛ لوقوعها موقع معربٍ، وفيها لغاتٌ كثيرة، وصلها الرُّماني إلى تسع وثلاثين، وذكر ابنُ عطيَّة لفظة، بها تمَّت الأربعون، وهي اثنتان وعشرون مع الهمزة المضمومة : أفُّ، أفَّ، أفِّ، بالتشديد مع التنوين وعدمه، أفُ، أفَ، أفِ، بالتخفيف مع التنوين وعدمه، أُفْ بالسكون والتخفيف ؛ أُفّْ بالسكون والتشديد، أفُّهْ، أُفَّهْ، أفِّهْ، أفَّا من غير إمالة، وبالإمالة
٢٥٥