والمعنى على هذين الوجهين : أنَّ قتلهم كان غير صوابٍ، واستبعد قوم هذه القراءة قالوا : لأنَّ الخطأ ما لم يتعمَّد، فلا يصحُّ معناه.
وخفي عنهم : أنه يكون بمعنى أخطأ، أو أنه يقال :" خَطِئَ " إذا لم يصب.
وأمَّا قراءة ابن كثير، فهي مصدر : خَاطَأ يُخاطِئُ خطاءً ؛ مثل : قاتل يُقاتلُ قتالاً، قال أبو عليٍّ :" هي مصدر خَاطَأ يُخاطِئُ، وإن كنَّا لم نجد " خَاطَأ " ولكن وجدنا تخاطأ، وهو مطاوع " خَاطَأ " فدلَّنا عليه، ومنه قول الشاعر :[المتقارب] ٣٤١٣ - تَخاطَأتِ النَّبلُ أحْشاءَهُ
وأخَّرَ يَومِي فَلمْ يَعْجلِ
وقال الآخر :[الطويل] ٣٤١٤ - تَخاطَأهُ القنَّاصُ حتَّى وجَدتُهُ
وخُرطُومهُ في مَنْقعِ المَاءِ رَاسِبُ
فكأنَّ هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحقَّ و العدل ".
وقد طعن قومٌ على هذه القراءة حتَّى قال أبو جعفرٍ - رحمه الله - :" لا أعرفُ لهذه القراءة وجهاً " ولذلك جعلها أبو حاتمٍ غلطاً.
قال شهاب الدين : قد عرفهُ غيرهما، ولله الحمد.
وأما قراءة الباقين فواضحة ؛ لأنَّها من قولهم : خَطِئَ يَخطَأ خِطئاً، كأثِمَ يَأثمُ إثماً، إذا تعمَّد الكذب.
٢٦٨
وقرأ الحسن :" خَطَاء " بفتح الخاء والمدِّ، وهو اسم مصدر " أخْطَأ " كالعطاءِ اسم للإعطاء.
وقرأ أيضاً " خطَا " بالقصر، وأصله " خَطَأ " كقراءةِ ابن ذكوان، إلاَّ أنه سهَّل الهمزة بإبدالها ألفاً، فحذفت كعصا.
وأبو رجاءٍ والزهريُّ كذلك، إلاَّ أنهما كسرا الخاء كـ " زِنَى " وكلاهما من خَطِئ في الدين، وأخطأ في الرَّأي، وقد يقام كلٌّ منهما مقام الآخر.
وقرأ ابن عامرٍ في رواية " خَطْئاً " بالفتح والسكون والهمز، مصدر " خَطِئ " بالكسر.
قال المفسِّرون : معنى الكلِّ واحدٌ، أي : إثماً كبيراً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٦٦
لمَّا أمره بالأشياء الخمسة المتقدِّم ذكرها، وحاصلها يرجع إلى شيئين : التعظيم لأمر الله تعالت، والشَّفقة على خلق الله سبحانه - جلَّ ذكره - لا إله إلاَّ هو، أتبعها بالنَّهي عن أشياء أخر.
أولها : أنه تعالى نهى عن الزّنا.
والعامة على قصره، وهي اللغة الفاشية، وقرئ بالمدِّ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه لغة في المقصور.
والثاني : أنه مصدر زانى يُزانِي ؛ كقاتل يقاتل قتالاً ؛ لأنه يكون بين اثنين، وعلى المدِّ قول الفرزدق :[الطويل] ٣٤١٥ - أبَا خَالدٍ من يَزْنِ يُعرَفْ زِنَاؤهُ
ومَنْ يَشرَبِ الخُرطُومَ يُصبِكْ مُسَكَّرا
وقول الآخر :[الكامل] ٣٤١٦ - كَانَتْ فَريضَةُ ما تَقُولُ كَمَا
كَانَ الزِّناءُ فَريضةَ الرَّجْمِ
وليس ذلك على باب الضرورة، فثبوته قراءة في الجملة.
وقوله تعالى :﴿وَسَآءَ سَبِيلاً﴾.
قال ابن عطيَّة :" وسبيلاَ : نصبٌ على التمييز، أي : وسَاءَ سَبِيلاً سَبِيلهُ ".
وردَّ أبو حيَّان هذا : بأنَّ قوله نصبٌ على التَّمييز يقتضي أن يكون
٢٦٩
الفاعل ضميراً مفسَّراص بما بعده من التمييز ؛ فلا يصح تقديره : سَاءَ سبيلهُ سَبِيلاً ؛ لأنه ليس بمضمرٍ لاسم الجنسِ.
فصل قال القفال : إذا قيل للإنسان : لا تقرب هذا، فهو آكد من أن تقول : لا تفعله، ثم علَّل هذا النَّهي بكنه ﴿فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً﴾.
واعلم أنَّ الزِّنا اشتمل على أنواع من المفاسد.
أولها : اختلاط الأنساب واشتباهها، فلا يعرف الإنسان أنَّ الولد الذي أتت به الزانية منه أو من غيره، فلا يقوم بتربيته، وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النَّسل، وخراب العالم.
وثانيها : أنه إذا لم يوجد سبب شرعيٌّ يوجب اختصاص هذا الرجل بهذه المرأة، لم يبق إلاَّ التوائب والتقاتل، وقد وجد وقوع القتل الذَّريع بسبب زنا المرأة الواحدة.
وثالثها : أنَّ المرأة، إذا زنت وتمرَّنت عليه، يستقذرها كل ذي عقل سليم، وحينئذٍ : لا تحصل الألفة والمحبَّة، ولا يتم السَّكن والازدواج، وينفر طباعُ أكثر الخلق عن مقاربتها.
ورابعها : أنَّه إذا انفتح باب الزِّنا، لا يبقى لرجلٍ اختصاص بامرأةٍ، بل كل رجل يمكنه التوائب على أيِّ امرأة أرادت، وحينئذ : لا يبقى بين نوع الإنسان وسائر البهائم فرقٌ في هذا.
وخامسها : أنه ليس المقصود من المرأة مجرّد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكة للرجل في ترتيب المنزل وإعداد مهمَّاته من المطعوم والمشروب والملبوس، وحفظ البيت، والقيام بأمُور الأولاد والخدم، وهذه المهماتُ لا تتم إلاَّ إذا كانت المرأة مقصورة الهمَّة على هذا الرجل الواحد، منقطعة الطَّمع عن سائر الرِّجال، وذلك لا يحصل إلاَّ بتحريم الزِّنا، وسدّ هذا الباب.
وسادسها : أنَّ الوطس يوجب الذلَّ الشديد، ويدلُّ على ذلك وجوهٌ : الأول : أن أعظم أنواع الشَّتم عند النَّاس ذكر ألفاظ الوقاع، ولولا أن الوطء يوجبُ الذلَّ وإلاَّ لما كان الأمر كذلك.
الثاني : أنَّ جميع العقلاء يستنكفُون من ذكر أزواج بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم، ولولا أن الوطء ذلٌّ، وإلاَّ لما كان كذلك.
الثالث : أن جميع العقلاء لا يقدمون على الوطء إلا خفية في الأوقات التي لا يطَّلع
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon