قال الزمخشري :" وحَدَ يَحِدُ وحْداً وحِدَة، نحو : وعَدَ يَعِدُ وعْداً وعِدَة، و " وحْدَهُ " من باب " رَجَعَ عودهُ على بَدْئهِ "، و " افعله جهدك وطاقتك " في أنه مصدر سادٌّ مسدَّ الحال، أصله : يَحِدُ وحْدَهُ، بمعنى واحِداً ".
قلت : وقد عرفت أنَّ هذا ليس مذهب سيبويه.
والثاني : أنه منصوب على الظرف وهو قول يونس، واعلم أن هذه الحال بخصوصها، أعني لفظة " وحْدهُ "، إذا وقعت بعد فاعل ومفعول، نحو :" ضَربَ زيدٌ عمراً وحْدَهُ "، فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل، أي : موحداً له بالضرب، ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالاً من المفعول.
قال أبو حيان :" فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير : وإذا ذكرت ربك موحداً لله تعالى.
قال المفسرون : معناه : إذا قلت : لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه.
وعلى مذهب المبرد يجوز أن يكون التقدير : موحداً بالذكر ".
ثم قال :" ولَّوا على أدبارهم نفوراً " وفي " نفوراً " وجهان : أحدهما : أنه مصدر على غير المصدر، لأن التولّي والنفور بمعنى.
قال الزجاج رحمه الله : بمعنى ولوا كافرين نفوراً.
والثاني : أنه حال من فاعل " ولَّوا " وهو حينئذ جمع نافرٍ، كـ " قَاعدٍ "، وقُعودٍ، وجَالسٍ، وجُلوسٍ.
والضمير في " ولَّوا " الظاهر عوده على الكفار، وقيل : يعود على الشَّياطين، وإن لم يجْرِ لهُم ذِكرٌ.
قال المفسرون : إن القوم كانوا في استماع القرآن على حالتين، سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر لله تعالى فبقوا مبهوتين متحيرين ؛ لا يفهمون منه شيئاص وإذا سمعوا آيات فيها ذكر لله تعالى، وذم المشركين ولوا نفوراً وتركوا ذلك المجلس.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٩٩
قوله تعالى :﴿بِمَا يَسْتَمِعُونَ﴾ : الباء في " بما " متعلق بـ " أعْلَمُ ".
وما كان من باب العلم والجهل في أفعل التفضيل، وأفعل في التعجب تعدَّى بالباء ؛ نحو : أنت أعلمُ به، وما أَعلمك به!! وهو أجهل به، وما أجهله به!! ومن غيرهما يتعدَّى في البابين باللام ؛ نحو : أنت أكسى للفقراء، و " مَا " بمعنى الذي، وهي عبارةٌ عن الاستخفاف والإعراض، فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف، والاستهزاءِ الذي يستمعون به، قاله ابن عطيَّة.
قوله :" به " فيه أوجه :
٣٠١
أحدها : أنه حال، فيتعلق بمحذوف.
قال الزمخشري :" وبه في موضع الحالِ، كما تقول : يستمعون بالهزءِ، أي : هازئين ".
الثاني : أنها بمعنى اللامِ، أي : بما يستمعون له.
الثالث : أنها على بابها، أي : يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم، قالهما أبو البقاء.
الرابع : قال الحوفيُّ :" لم يقلْ يستمعونه، ولا يستمعونك ؛ لمَّا كان الغرضُ ليس الإخبار عن الاستماعِ فقط، وكان مضمَّناً أنَّ الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا : مجنونٌ أو مسحورٌ، جاء الاستماع بالباء وإلى، ليعلم أنَّ الاستماع ليس المراد به تفهُّم المسموعِ دون هذا المقصد " فعلى هذا ايضاً تتعلَّق الباء بـ " يَسْتمِعُونَ ".
قوله تعالى :﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه معمولٌ لـ " أعْلَمُ ".
قال الزمخشري :" إذ يستمعون نصب بـ " أعْلَمُ " أي : أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون، وبما يتناجون ؛ إذ هم ذوو نجوى ".
والثاني : أنه منصوبٌ بـ " يَسْتمِعُونَ " الأولى.
قال ابن عطيَّة - رحمه الله - :" والعامل في " إذ " الأولى، وفي المعطوف " يَسْتمِعُونَ " الأولى ".
وقال الحوفيُّ : و " إذ " الأولى تتعلق بـ " يَسْتمِعُونَ " وكذا " وإذْ هُمْ نجْوَى " لأن المعنى : نحن أعلم بالذي يستمعون إليك، وإلى قراءتك وكلامك، إنما يستمعون لسقطك، وتتبُّع عيبك، والتماسِ ما يطعنون به عليك، يعني في زعمهم ؛ ولهذا ذكر تعديتهُ بالباء و " إلى ".
قوله - عز وجل - :" نَجْوَى " يجوز أن يكون مصدراً، فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغة، أو على حذف مضاف، أي : ذوو نجوى، كما قاله الزمخشري، ويجوز أن يكون جمع نجيِّ، كقتيلٍ وقتلى، قاله أبو البقاء.
قوله تعالى :﴿إِذْ يَقُولُ﴾ بدل من " إذ " الأولى في أحد القولين، والقول لآخر : أنَّها معمولة لـ " اذْكُرْ " مقدَّراً.
قوله تعالى :" مَسْحُوراً " الظاهر أنَّه اسم مفعول من " السِّحرِ " بكسر السين، أي : مخبول العقل، أو مخدوعه، وقال أبو عبيدة : معناه أنَّ له سَحْراً، أي : رئة بمعنى أنه لا يستغني عن الطَّعام والشَّراب، فهو بشرٌ مثلكم، وتقول العرب للجبان :" قد انتفخَ سَحرهُ " بفتح السين، ولكلِّ من أكل وشرب : مسحورٌ، ومسحرٌ، فمن الأول قول امرئ القيس :[الوافر] ٣٤٢٦ - أرَانَا مُوضَعِينَ لأمْرِ غَيْبٍ
ونُسْحِرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٠١
أي : نُغذَّى ونُعَلَّلُ، ومن الثاني قول لبيدٍ :[الطويل]
٣٠٢
٣٤٢٧ - فَإنْ تَسْألِينَا فيمَ نَحْنُ فَإنَّنَا
عَصَافِيرُ مِنْ هذا الأنَامِ المُسحَّرِ