وقال سعيد بن المسيَّب : رأى رسول الله ﷺ بني أميَّة ينزون على منبره، [نَزْوَ القردة]، فساءه ذلك، وهو قول ابن عبَّاس في رواية عطاء، وفيه الاعتراض المذكور ؛ لأنَّ هذه الآية مكيَّة، وما كان لرسول الله ﷺ بمكَّة منبرٌ.
ويمكنُ أن يجاب عنه بأنَّه لا يبعد أن يرى بمكة أنَّ له بالمدينة منبراً يتداوله بنُو أميَّة.
قوله :" والشَّجرةَ " : العامة على نصبها نسقاً على " الرُّؤيا " و " المَلعُونَة " نعتٌ، قيل هو مجازٌ ؛ إذ المراد : الملعون طاعموها ؛ لأن الشجرة لا ذنب لها، وهي شجرةُ الزقُّوم، وقيل : بل على الحقيقة، ولعنها : إبعادها من رحمة الله ؛ لأنَّها تخرج في أصلِ الجحيم، وقرأ زيد بن عليٍّ برفعها على الابتداء، وفي الخبر احتمالان : أحدهما : هو محذوفٌ، أي : فتنة.
والثاني :- قاله أبو البقاء - أنه قوله " في القُرآنِ " وليس بذاك.
فصل قال المفسِّرون : هذا على التَّقديم والتَّأخير، والتقدير : وما جعلنا الرؤيا الَّتي أريناك والشَّجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للنَّاس.
وقيل : المعنى : والشجرة الملعُونة في القرآن كذلكن وهي شجرة الزقُّوم، والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين : الأول : أن ابا جهلٍ، قال : زعم صاحبكم أنَّ نار جهنَّم تحرق الحجر، حيث قال تعالى :﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة : ٢٤] ثم يقول : إنَّ في النَّار شجراً، والنَّار تأكلُ الشَّجر، فكيف تولَّد فيها الشَّجر.
والثاني : قال ابنُ الزبعرى : إن محمداً يخوفنا بالزقُّوم، وما نعلم الزقُّوم إلاَّ التَّمر والزُّبد، فتزقَّموا منه، فأنزل الله تعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجر ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ﴾ [الصافات : ٦٣].
٣٢٢
فإن قيل : ليس في القرآنِ لعن هذه الشجرة.
فالجواب من وجوهٍ : الأول : المراد لعن الكفَّار الذين يأكلونها.
الثاني : أنَّ العرب تقول لكلِّ طعام ضارٍّ : إنَّه ملعونٌ.
الثالث : أنَّ اللَّعن في اللغة : هو الإبعاد، فلما ك انت هذه الشجرةُ مبعدة عن صفات الخير، سمِّيت ملعونة.
وقال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - : الشجرة الملعونةُ في القرآن : بنو أميَّة، يعني : الحكم بن أبي العاص، قال : رأى رسول الله ﷺ في المنامِ أنَّ ولد مروان يتداولون منبرهُ، فقصَّ رؤياه على أبي بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما - في خلوة من مجلسه، فلمَّا تفرَّقُوا، سمع رسول الله ﷺ الحكم يخبر برؤيا رسول الله ﷺ فاشتدَّ ذلك على رسول الله ﷺ واتَّهم عمر في إفشاء سرِّه، ثم ظهر لهُ أنَّ الحكم كان يستمعُ إليهم، فنفاهُ صلى الله عليه وسلم.
قال الواحديُّ - رحمه الله - : هذه القصَّة كانت في المدينة، والسورة [مكية]، فيبعد هذا التفسير، إلاَّ أن يقال : هذه الآية مدنية، ولم يقل به أحٌ، ويؤكِّد هذا التَّأويل قول عائشة - رضي الله تعالى عنها - لمروان : لعن الله أباك، وأنت في صلبه، فأنت بعض من لعنة الله.
وقيل : الشجرة الملعونة في القرآن هم اليهود ؛ لقوله تعالى :﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [المائدة : ٧٨].
وقيل : الشَّجرة الملعونة هي الَّتي تلتوي على الشَّجر، فتخنقه، يعني " الكشوث ".
فإن قيل : إنَّ القوم طلبوا من رسول الله ﷺ الإتيان بالمعجزاتِ القاهرة، فأجاب بأنَّه لا مصلحة في إظهارها ؛ لأنَّها لو ظهرت، ولم يؤمنوا، نزل عليهم عذاب الاستئصال، وذلك غير جائزٍ، فأيُّ تعلقٍ لهذا الكلام بذكرِ الرؤيا التي صارت فتنة للنَّاس وبذكر الشجرة [التي صارت فتنة للنَّاس].
فالجواب : أنَّ التقدير كأنَّه قيل : إنَّهم لما طلبوا هذه المعجزات، ثم إنَّك لم تظهرها، صار عدم ظهورها شبهة لهم في أنَّك لست بصادق في دعوى النبوَّة، إلاَّ أنَّ وقوع هذه الشبهة لا يضيق صدرك، ولا يوهنُ أمرك، ولا يصير سبباً لضعف حالك ؛ ألا ترى أنَّ تلك الرؤيا صارت سبباً لوقوع الشبهة العظيمة عندهم، ثم إنَّ قوة تلك الشبهات ما أوجبت ضعفاً في أمرك، فكذلك هذه الشبهة الحاصلة بسبب عدم ظهور هذه المعجزات لا يوجبُ فتوراً في حالك، ولا ضعفاً في أمرك.
٣٢٣
ثم قال تعالى :﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ﴾ أي التخويف ﴿إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾، أي : تمرُّداً وعتُواً عظيماً، والمقصود من ذلك وجهٌ آخر في أنَّه ما أظهر المعجزات التي اقترحوها ؛ لأنَّ هؤلاء خوفوا بأشياء كثيرة من الدنيا والآخرة، وبشجرة الزَّقوم، فما زادهم هذا التخويفُ إلاَّ طغياناً كببيراً ؛ وذلك يدلُّ على قسوة قلوبهم، وتماديهم في الغيِّ والطُّغيان.
وإذا كان كذلك فبتقدير أن يظهر الله لهم تلك المعجزات التي اقترحوها، لم ينتفعوا بها، ولم يزدادوا إلاَّ تمادياً ف يالجهل والعناد، وإذا كان كذلك، وجب في الحكمة ألاَّ يظهر الله لهم ما اقترحوه من الآيات والمعجزات.
قرأ العامة " ونُخوِّفهُم " بنون العظمة، والأعمش بياء الغيبة.


الصفحة التالية
Icon