فمن فتح السين، جعله جمع كسفةٍ ؛ نحو : قِطعَةٍ وقِطَع، وكِسْرةٍ وكِسرٍ، ومن سكَّن، جعله جمع كسفة أيضاً على حدِّ : سِدْرةٍ وسِدْرٍ، وقِمْحَةٍ وقِمَحٍ.
وجوَّز أبو البقاء فيه وجهين آخرين : أحدهما : أنه جمعٌ على " فَعَلٍ " بفتح العين، وإنما سكِّن تخفيفاً، وهذا لا يجوز ؛ لأنَّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة، حيث يقدر فيه غيرها، فكيف بالحرف الصحيح ؟.
قال : والثاني : أنه " فَعْلٌ " بمعنى " مَفْعُولٍ " ؛ كـ " الطحْن " بمعنى " مَطْحُون " ؛ فصار في السكون ثلاثة أوجهٍ.
وأصل الكسفِ : القطع، يقال : كسَفْتُ الثَّوبَ قطعته ؛ وفي الحديث في قصَّة سليمان مع الصَّافناتِ الجياد : أنه " كَسَفَ عَراقِيبهَا "، أي : قطعها.
فصل في معنى الكسف قال اللَّيثُ : الكسف : قطع العرقوب، قال الفرَّاء : وسمعتُ أعرابيًّا يقول لبزَّاز : أعطني كسفةً، وقال الزجاج :" كَسفَ الشيء بمعنى غَطَّاهُ "، قيل : ولا يعرفُ هذا لغيره.
وانتصابه على الحال في القراءتين فإن جعلناه جمعاً، كان على حذفِ مضاف، أي : ذات كسفٍ، وإن جعلناه " فِعْلاً " بمعنى " مَفعُول " لم يحتج إلى تقدير، وحينئذ : فإن قيل لِمَ لمْ يُؤنَّث ؟ فالجواب : لأنَّ تأنيثه أعني : السَّماء غير حقيقيٍّ، أو بأنها في معنى السَّقف.
قوله :" كَمَا زعَمْتَ " : نعت لمصدر محذوف، أي : إسقاطاً مثل مزعومك ؛ كذا قدَّره أبو البقاء.
فصل في المراد بالآية قال عكرمة :﴿كَمَا زَعَمْتَ﴾، يا محمد : أنَّك نبيٌّ، " فأسْقِط " السماء علينا كسفاً.
وقيل : كما زعمت أن ربَّك إن شاء فعل، وقيل : المراد قوله :﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً﴾ [الإسراء : ٦٨].
فقيل : اجعل السَّماء قطعاً متفرقة ؛ كالحاصب، وأسقطها علينا.
قوله :﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلا اائِكَةِ قَبِيلاً﴾.
القَبِيلُ : بمعنى : المقابل ؛ كالعشير، بمعنى : المُعاشِر.
وقال ابن عباس : فوجاً بعد فوجٍ.
وقال الليث : كلُّ جندٍ من الجنِّ والإنسِ قبيلٌ، وقيل : كفيلاً، أي ضامناً.
٣٨٦
قال الزجاج : يقال : قبلتُ به أقبل ؛ كما يقال : كفلت به أكفل، وعلى هذا : فهو واحدٌ أريد به الجمعُ ؛ كقوله :﴿وَحَسُنَ أُولَـائِكَ رَفِيقاً﴾ [النساء : ٦٩]، وقال أبو عليِّ : معناه المعاينة ؛ كقوله تعالى :﴿لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ [الفرقان : ٢١].
قوله :" قَبِيلاً " [حالٌ من " الله، والمَلائِكَةِ " أو من أحدهما، والآخر محذوفة حاله، أي : بالله قبيلاً، والملائكة قبيلاً ؛ ] كقوله :[الطويل] ٣٤٦٥ -.............
كُنْتُ مِنهُ ووالِدي
بَرِيئاً...............
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٣
وكقوله :[الطويل] ٣٤٦٦ -........................
فَإنِّي وقيَّارٌ بِهَا لغَرِيبُ
ذكره الزمخشريُّ، هذا إذا جعلنا " قَبِيلاً " بمعنى كفيلاً، أي :" ضَامِناً " أو بمعنى " معاينة " كما قاله الفارسي، وإن جعلناه بمعنى " جَماعَة " كان حالاً من " المَلائِكَة ".
وقرأ الأعرج " قِبَلاً " من المقابلة.
قوله ﴿تَرْقَى ﴾ : فعل مضارع [منصوبٌ] تقديراً ؛ لأنه معطوفٌ على " تَفْجُرَ "، أي : أو حتَّى ترْقَى في السَّماء، [أي :] في معارجها، والرقيُّ : الصعود، يقال : رَقِيَ، ببالكسر، يرقى، بالفتح، رقيًّا على فعولٍ، والأصل :" رُقُوي " فأدغم بعد قلب الواو ياء، ورقياً بزنة ضربٍ، قال الراجز :[الرجز] ٣٤٦٧ - أنْتَ الَّذي كَلَّفتَنِي رقْيَ الدَّرجْ
عَلى الكَلالِ والمَشِيبِ والعَرجَ
قوله تعالى :﴿نَّقْرَؤُهُ﴾ يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون نعتاً لـ " كتاباً ".
والثاني : أن يكون حالاً مِنْ " نَا " في " عَليْنَا " ؛ قاله أبو البقاء، وهي حال مقدرة ؛ لأنهم إنما يقرؤونه بعد إنزاله، لا في حال إنزاله.
فصل في سبب نزول الآية قال المفسرون : لمّا قال المشركون :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا﴾ الآيات، قام رسول الله ﷺ وقام معهُ عبدُ الله بن أميَّة، وهو ابنُ عمَّته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال : يا محمد، عرض عليك قومُك ما عرضُوا، فلم تقبلهُ منهم، ثمَّ سألوكَ لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله تعالى، فلم تفعل، ثمَّ سألوك أن تعجِّل ما تُخوِّفهم به، فلم تفعل، فوالله لا أومن بك حتَّى تتَّخذ إلى السَّماء سلَّماً ترقى فيه، وأنا أنظر حتَّى تأتيها، وتنزل بنُسخةٍ منشورةٍ، ومعك نفرٌ من الملائكةِ يشهدون لك بما تقولُ.
وأيم الله، لو فعلت ذلك،
٣٨٧


الصفحة التالية
Icon