٣٤٧١ - " لوْ ذَاتُ سِوارٍ لطَمتْنِي "
برفع " ذَاتُ " وقول المتلمِّس : ٣٤٧٢ - ولَوْ غَيْرُ أخْوالِي أرادُوا نَقِيصَتِي
.......................
فـ " ذَاتُ سوارٍ " مرفوعةٌ بفعل مفسَّر بالظاهر بعده.
الثاني : أنه مرفوع بـ " كَانَ " وقد كثر حذفها بعد " لو " والتقدير : لو كنتم تملكون، فحذف " كَانَ "، فانفصل الضمير، و " تَمْلكُونَ " في محلِّ نصبٍ بـ " كَانَ " المحذوفةِ، وهو قولُ ابن الصائغ ؛ وقريبٌ منه قوله :[البسيط] ٣٤٧٣ - أبَا خُرَاشةَ أمَّا أنْتَ ذَا نَفرٍ
......................
٣٩٥
فإنَّ الأصل : لأن كنت، فحذفت " كَانَ "، فانفصل الضمير، إلا أنَّ هنا عوِّض من " كَانَ " " ما "، وفي [ " لَوْ " ] لم يعوَّض منها.
الثالث : أنَّ " أنتم " توكيدٌ لاسم " كانَ " المقدر معها، والأصل " لَوْ كُنتمْ أنْتُم تَمْلكُونَ " فحذفت " كَانَ " واسمها، وبقي المؤكِّدُ، وهو قول ابن فضالٍ المجاشعيِّ، وفيه نظرٌ ؛ من حيث إنَّا نحذف ما في التَّوكيد، وإن كان سيبويه يجيزه.
وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك : كون مذهب البصريِّين في " لَوْ " أنَّه لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمراً مفسَّراً إلاَّ في ضرورة، أو ندور، كقوله :" لَو ذَات سوارٍ لطَمتْنِي "، فإن قيل : هذان الوجهان أيضاً فيهما إذمار فعلٍ، قيل : ليس هو الإضمار المعنيَّ ؛ فإنَّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير " كان "، وأمَّا " كان " فقد كثر حذفها بعد [ " لو " ] في مواضع كثيرة، وقد وقع الاسم الصَّريحُ بعد " لَوْ " غير مذكور بعده فعلٌ ؛ وأنشد الفارسيُّ :[الرمل] ٣٤٧٤ - لَو بِغيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرقٌ
كُنْتُ كالغصَّانِ بالمَاءِ اعْتِصَارِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٤
إلا أنه أخرجه على أنه مرفوع بفعل مقدَّر يفسِّره الوصف من قوله " شَرِقٌ "، وقد تقدَّم الكلام في " لَوْ ".
قال أهل المعاني : إنَّ التقديم بالذكر يدل على التَّخصيص، فقوله :﴿لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ﴾ دليل على أنَّهم هم المختصُّون بهذه الحالة الخسيسة، والشُّحْ الكامل.
واعلم أنَّ خزائن رحمة الله غير متناهية ؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النِّعم خزائن لا نهاية لها، لتقيمنَّ على الشحِّ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة.
قوله :" لأمْسَكْتُمْ " يجوز أن يكون لازماً ؛ لتضمنه معنى " بخِلتمْ " وأن يكون متعدِّياً، ومفعوله محذوف، أي : لأمسكتم المال، ويجوز أن يكون كقوله ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة : ٢٥٨].
قوله :﴿خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أنه مفعول من أجله.
والثاني : أنه مصدر في موضع الحال، قاله أبو البقاء، أي : خاشين الإنفاق، وفيه نظر ؛ إذ لا يقع المصدر المعرفة موقع الحال، إلا سماعاً ؛ نحو :" جَهْدكَ " و " طَاقَتكَ "، وكقوله : ٣٤٧٥ - وأرْسلَهَا العِراكَ..............
...................
٣٩٦
ولا يقاس عليه، والإنفاقُ مصدر " أنْفقَ "، أي : أخرج المال، وقال أبو عبيدة :" هو بمعنى الافتقار، والإقتار ".
قوله :﴿خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾، أي : نعمة ربِّي.
﴿إِذاً لأمْسَكْتُمْ﴾ لبخلتم.
﴿خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾ : الفاقة.
وقيل : خشية النفاق يقال : أنفق الرجل، أي : أملق، وذهب ماله، ونفق الشَّرُّ، أي : ذهب.
وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق ؛ خشية الفقر، ومعنى " قَتُوراً " : قال قتادة : بخيلاً ممسكاً.
يقال : أقْتَرَ يُقْتِرُ إقتاراً، وقتَّر تَقْتِيراً : إذا قصَّر في الإنفاق.
فإن قيل : قد حصل في الإنسان الجواد، والكريم.
فالجواب من وجوه : الأول : أن الأصل في الإنسان البخلُ ؛ لأنَّه خلق محتاجاً، والمحتاج لا بد وأن يحبَّ ما به يدفع الحاجة، وأن يمسكه لنفسه، إلا أنَّه قد يجود به [لأسبابٍ] من خارج، فثبت أنَّ الأصل في الإنسان البخلُ.
الثاني : أنَّ الإنسان إنَّما يبذلُ ؛ لطلب الحمدِ، وليخرج من عهدة الواجب، ثم للتَّقرُّب إلى الله تعالى، فهو في الحقيقة إنَّما أنفق ليأخذ العوض، فهو بخيلٌ، والمراد بهذا الإنسان المعهود السَّابق، وهم الذين قالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً﴾ [الإسراء : ٩٠].
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٤
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ الآيات.
اعلم أنَّ المقصود من هذا الكلام هو الجواب عن قولهم : لن نؤمن لك ؛ حتى تأتينا بهذه المعجزات الباهرة ؛ فقال تعالى :
٣٩٧


الصفحة التالية
Icon