في ثلاثة، بل كان بين أوله وآخره عشرون سنة، يعني أنَّ " فرقَ " بالتخفيف يدل على فصل متقاربٍ ".
قال أبو حيان :" وقال بعضُ من اختار ذلك - يعني التنجيم - لم ينزل في يوم، ولا يومين، ولا شهرٍ، ولا شهرين، ولا سنة، ولا سنتين ؛ قال ابن عبَّاس : كان بين أوله، وآخره عشرون سنة، كذا قال الزمخشريُّ، عن ابن عباس ".
قال شهاب الدين : ظاهر هذا : أنَّ القول بالتنجيم : ليس مرويًّا عن ابن عباس، ولا سيما وقد فصل قوله " قَالَ ابن عبَّاسٍ " من قوله " وقال بعض من اختار ذلك "، ومقصوده أنه لم يسنده لابن عباس ؛ ليتمَّ له الردُّ على الزمخشري في أنَّ " فَعَّل " بالتشديد لا يدلُّ على التفريق، وقد تقدم له معه هذا المبحث أوَّل هذا الموضوع.
قال ابن الخطيب : والاختيار عند الأئمة :" فَرقْنَاهُ " بالتخفيف، وفسَّره أبو عمرو : بيَّناه.
قال ابو عبيدة : التخفيف أعجبُ غليَّ ؛ لأنَّ معناه : بينَّاه، ومن قرأ بالتشديد، لم يكن له معنًى إلا أنه أنزل متفرِّقاً، [فالتفرُّق] يتضمَّن التَّبيين، ويؤكِّده ما رواه ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ أنه قال : فَرقتُ، أو أفْرَقتُ بين الكلامِ، وفرَّقتُ بين الأجسامِ ؛ ويدلُّ عليه قوله ﷺ :" البَيِّعانِ بالخِيَارِ، ما لمْ يتفرَّقا " ولم يقل :" يَفْترِقَا ".
فصل في نزول القرآن مفرقاً قال ابن الخطيب : إنَّ القوم قالوا : هَبْ أنَّ هذا القرآن معجز، إلا أنه بتقدير أن يكون الأمر كذلك، فكان من الواجب أن ينزله الله عليك دفعة واحدة ؛ ليظهر فيه وجه الإعجاز ؛ فجعلوا إتيان الرسول به مفرَّقاً شبهة في أنَّه يتفكَّر في فصل فصل، ويقرؤه عليهم، فأجاب الله عن ذلك أنه إنَّما فرَّقه ليكون حفظه أسهل ؛ ولتكون الإحاطة والوقوف على دلائله، وحقائقه، ودقائقه أكمل.
قال سعيد بن جبير : نزل القرآن كلُّه في ليلة القدر من السَّماء العليا إلى السَّماء السفلى، ثم فصل في السِّنين التي نزل فيها، ومعنى الآية : قطَّعناه آية آية، وسورة وسورة.
٤٠٦
قوله :" لتَقْرَأهُ " متعلق بـ " فَرقْنَاهُ "، وقوله " عَلَى مُكْثٍ " فيه ثلاثةُ أوجه : الأول : أنه متعلِّق بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من الفاعل، أو المفعول في " لتَقْرَأهُ "، أي : متمهِّلاً مترسِّلاً.
الثاني : أنه بدلٌ من " عَلَى النَّاس " قاله الحوفيُّ، وهو وهمٌ ؛ لأنَّ قوله " عَلى مُكثٍ " من صفاتِ القارئ، أو المقرُوءِ من وجهة المعنى، لا من صفات الناس ؛ حتى يكون بدلاً منهم.
الثالث : أنه متعلق بـ " فَرقنَاهُ ".
قال ابو حيان :" والظاهر تعلق " عَلى مُكثٍ " بقوله " لتَقْرأهُ "، ولا يبالى بكون الفعل يتعلق به حرفا جر من جنسٍ واحدٍ ؛ لأنه اختلف معنى الحرفين ؛ لأن الأول في موضع المفعول به، والثاني في موضع الحال، أي : متمهِّلاً مترسلاً ".
قال شهاب الدين : قوله أولاً : إنه متعلق بقوله " لِتقْرَأهُ " : ينافي قوله في موضع الحال، لأنه متى كان حالاً، تعلق بمحذوفٍ، لا يقال : أراد التعلق المعنوي، لا الصناعي ؛ لأنه قال : ولا يبالى بكون الفعل يتعلق به حرفا جرٍّ من جنسٍ واحد، وهذا تفسير إعراب، لا تفسير معنى.
والمُْثُ : التَّطاولُ في المدة، وفيه ثلاثة لغات : الضمُّ، والفتح - ونقل القراءة بهما الحوفيُّ، وأبو البقاء - والكسر، ولم يقرأ به فيما علمتُ، وفي فعله الفتح والضمُّ وسيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى في النَّمل [الآية : ٢٢] ومعنى " عَلى مُكْثٍ " أي على تؤدةٍ، وترسُّل في ثلاثٍ وعشرين سنة ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ على الحدِّ المذكور.
قوله :﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا ااْ﴾ : يخاطب الذين اقترحوا تلك المعجزات العظيمة ؛ على وجه التَّهديد والإنكار، أي : أنَّه تعالى، أوضح البينات والدلائل، وأزاح الأعذار، فاختاروا ما تريدون.
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾ أي : من قبل نزول القرآن، قال مجاهد : هم ناسٌ من أهل الكتاب، كانوا يطلبون الدِّين قبل مبعث النبي ﷺ ثمَّ أسلموا بعد مبعثه ؛ كزيد بن عمرو بن نفيلٍ، وسلمان الفارسيِّ، وأبي ذرٍّ، وورقة بن نوفلٍ، وغيرهم.
﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ يعني القرآن.
﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾.
يعني : يسقطون للأذقان، قال ابن عباس : أراد به الوجوه.
قوله :﴿لِلأَذْقَانِ﴾ : في اللام ثلاثة أوجه :
٤٠٧
أحدها : أنها بمعنى " على "، أي : على الأذقان ؛ كقولهم : خرَّ علىوجهه.
والثاني : أنها للاختصاص، قال الزمخشري : فإن قيل : حرف الاستعلاءِ ظاهر المعنى، إذا قلت : خرَّ على وجهه، وعلى ذقنه، فما معنى اللام في " خرَّ لذقنه، ولوجهه " ؟ قال :[الطويل] ٣٤٧٨ -................
فَخرَّ صَرِيعاً للْيَديْنِ وللْفَمِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٠٤


الصفحة التالية
Icon