قال تعالى :﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ [النساء : ٨٢].
قال أهل اللغة : العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، فالمراد منه نفيُ التَّناقضِ.
وقيل : معناه لم يجعلهُ مخلوقاً.
روي عن ابن عبَّاس أنَّه قال في قوله تعالى :﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر : ٢٨] أي غير مخلوقٍ.
وقوله :" قيماً " فيما نقل عن ابن عباسٍ أنه قال : يريد مستقيماً [قال ابن الخطيب :] وهذا عندي مشكلٌ ؛ لأنَّه لا معنى لنفي الاعوجاج إلاَّ حصول الاستقامةِ، فتفسير القيّم بالمستقيم يوجبُ التكرار، بل الحق أن يقال : المرادُ من كونه قيِّماً سبباً لهداية الخلق، وأنَّه يجري بحذوِ من يكون قيّماً للأطفال، فالأرواح البشرية كالأطفالِ، والقرآن كالقيِّم المشفق القيم بمصالحهم.
قوله :" ليُنْذِرَ " في هذه اللام وجهان، أظهرهما : أنها متعلقة بـ " قيِّماً " قاله الحوفيُّ.
والثاني :- وهو الظاهرُ - أنَّها تتعلق بـ " أنْزلَ ".
وفاعل " لِيُنذِرَ " يجوز أن يكون " الكتاب " وأن يكون الله، وأن يكون الرسول.
و " أنْذَرَ " يتعدَّى لاثنين :﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً﴾ [النبأ : ٤٠] ﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾ [فصلت : ١٣].
ومفعوله الأول محذوف، يقدره الزمخشري :" ليُنْذِرَ الذين كفروا "، وغيره :" ليُنذِرَ العباد "، أو " ليُنذرَكم "، أو لينذر العالم.
وتقديره أحسن لأنه مقابل لقوله " ويُبشِّر المؤمنين "، وهم ضدُّهم.
وكما حذف المنذر وأتى بالمنذر به هنا، حذف المنذر به وأتى بالمنذرِ في قوله ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُواْ﴾ [الكهف : ٤] فحذف الأول من الأول لدلالةِ ما في الثاني عليه، وحذف الثاني من الثاني لدلالة ما في الأول عليه، وهو في غاية البلاغة، ولمَّا لم تتكرَّر البشارة ذكر مفعوليها فقال :﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً﴾.
قوله :﴿مِّن لَّدُنْهُ﴾ قرأ أبو بكرٍ عن عاصم بسكون الدَّال مشمَّة الضمَّ وكسر النون والهاء موصلة بياء، فيقرأ " مِنْ لَدْنهِي " والباقون يضمون الدال، ويسكنون النون ويضمون الهاء، وهم على قواعدهم فيها : فابن كثيرٍ يصلها بواوٍ نحو : منهُو وعنهُو، وغيره لا يصلها بشيءٍ.
وجه أبي بكرٍ : أنَّه سكن الدال تخفيفاً كتسكين عين " عَضُد " فالنون ساكنة، فالتقى ساكنان فكسر النون لالتقاءِ الساكنين، وكان حقُّه أن يكسر الأول على القاعدة المعروفة إلا أنه يلزم منه العودُ إلى ما فرَّ منه، وسيأتي لتحقيق هذا بيانٌ في قوله تعالى :{وَيَخْشَ اللَّهَ
٤١٨


الصفحة التالية
Icon