كلمة، و " تَخرُج " الجملة صفة لـ " كَلمةٌ " ويؤذنُ باستعظامها لأنَّ بعض ما يهجس في الخاطر لا يجسر الإنسان على إظهاره باللفظ.
والثاني : أن الفاعل مضمر مفسر بالنكرة بعده المنصوبة على التمييز، ومعناها الذمُّ ؛ كـ " بِئْسَ رجلاً " فعلى هذا : المخصوصُ بالذمِّ محذوف، تقديره : كبرت هي الكلمة كلمة خارجة من أفواههم تلك المقالة الشنعاءُ.
وقرأ العامة " كلمة " بالنصب، وفيها وجهان : النصبُ على التمييز تقديره كبرت الكلمة.
قال الواحديُّ : ومعنى التمييز : أنَّك إذا قلت : كبرت المقالة أو الكلمة، جاز أن يتوهم أنَّها كبرت كذباً، أو جهلاً، أو افتراء، فلما قلت :" كَلِمَة " فقد ميَّزتها من محتملاتها، فانتصبت على التَّمييز، والتقدير : كبرت الكلمة كلمة، فحصل فيه الإضمار.
وأمَّا من رفع " كلمةٌ " فلا يضمر شيئاً.
قال النحويُّون : النصب أقوى وأبلغ.
وقد تقدَّم تحقيقه في الوجهين السابقين.
والثاني : النصب على الحال، وليس بظاهر وقيل : نصباً على حذف حرف الجرّ، والتقدير :" مِنْ كَلمَةٍ " فحذف " مِنْ " فانتصب.
قوله :" تَخرجُ " في الجملة وجهان : أحدهما : هي صفة لكلمة.
والثاني : أنها صفة للمخصوص بالذَّم المقدر، تقديره : كبرت كلمةٌ خارجةٌ كلمةً.
وقرأ الحسن، وابن محيصنٍ، وابن يعمر، وابن كثير - في رواية القوَّاس عنه - " كَلمَةٌ " بالرفع على الفاعلية، و " تَخْرجُ " صفة لها أيضاً، وقرئ " كَبْرَتْ " بسكون الباء، وهي لغة تميم.
قوله :" كَذِباً " فيه وجهان : أحدهما : هو مفعولٌ به ؛ لأنه يتضمَّن معنى جملة.
والثاني : هو نعت مصدر محذوف، أي : قولاً كذباً.
فصل في المراد من الكلمة المراد من هذه الكلمة هو قولهم :﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ فصارت مضمرة في " كَبُرتْ "، وسمِّيت :" كلمة " كما يسمُّون القصيدة كلمة.
٤٢٣
وقوله :﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي : هذا الذي يقولونه، لا يحكم به عقلهم وفكرهم البتَّة ؛ لكنه في غاية الفساد والبطلان، فكأنَّه يجري على لسانهم على سبيل التقليلد ﴿إِن يَقُولُونَ﴾، أي : ما يقولون إلاَّ كذباً.
واختلف النَّاس في حقيقة الكذب، فقيل : هو الخبر الذي لا يطابقُ المخبر عنه.
وقيل : قال بعضهم : يشترط علم قائله بأنَّه غير مطابقٍ.
قال ابن الخطيب : وهذا القيد عندنا باطلٌ ؛ لأنَّه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذباً مع أن الكثير منهم يقول ذلك، ولا يعلم كونه كذباً باطلاً، فعلمنا أن كلَّ خبر لا يطابقُ المخبر عنه، فهو كذبٌ، سواءٌ علم القائل بكونه كذباً، أو لم يعلم.
ويمكن أن يجاب بأنَّ الله تعالى، إنما وصف علماءهم المحرِّفين للكلم عن مواضعه، ودخل المقلِّدون على سبيل التَّبع عليه.
فصل في الرد على النّظام احتجَّ النظَّام على أنَّ الكلام جسمٌ بهذه الآية، قال : لأنَّه تعالى وصف الكلمة بأنَّها تخرجُ من أفواههم، والخروجُ عبارة عن الحركةِ، والحركةُ لا تصحُّ إلاَّ على الأجسام، وأجيب : بأنَّ الحروف والأصوات إنَّما تحدث بسبب خروجِ النفس من الحلق، فلما كان خروج النَّفسِ سبباً لحدوثِ الكلمةِ، أطلق لفظ الخروج على الكلمة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢١
والمقصود منه أنَّه قيل لرسول الله ﷺ : لا يعظم حزنك وأسفك ؛ بسبب كفرهم، فإنَّا بعثناك منذراً ومبشّراً، فأما تحصيلُ الإيمان في قلوبهم، فلا قدرة لك عليه، والغرض منه تسلية الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
ومعنى :" بَاخعٌ نَفْسكَ " أي : قاتلٌ نفسك.
قال الليثُ : بخع الرَّجلُ نفيه إذا قتلها غيظاً من شدَّة وجده، والفاء في قوله :(فَلعلَّكَ) قيل : جواب الشرط، وهو قوله :﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ﴾ قدم عليه، ومعناه التأخير.
وقال الجمهور : جواب الشرط محذوف لدلالة قوله :" فَلعلَّكَ ".
و " لَعلَّكَ " قيل : للإشفاق على بابها.
وقيل : للاستفهام، وهو رأيُ الكوفيِّين.
وقيل : للنَّهي، أي : لا تَبْخَعْ.
٤٢٤
والبَخْعُ : الإهلاك، يقال : بَخَع الرجل نفسه يَبخَعُهَا بَخْعاً وبُخُوعاً، أهلكها وجداً.
قال ذو الرمة :[الطويل] ٣٤٨٣ - ألا أيُّهذا البَاخِعُ الوجْدُ نفسهُ
لِشيءٍ نَحَتْهُ عَن يَديْهِ المَقادِرُ


الصفحة التالية
Icon