يريد : نحَّته بالتشديد، فخفف، قال الأصمعي : كان ينشده :" الوَجْدَ " بالنصب على المفعول له، وأبو عبيدة رواه بالرَّفع على الفاعلية بـ " البَاخِع ".
وقيل : البَخْعُ : أن تضعفَ الأرض بالزِّراعةِ، قاله الكسائي، وقيل : هو جهدُ الأرض وعلى هذا معنى " بَاخعٌ نَفْسكَ " أي ناهكها وجاهدها ؛ حتَّى تهلكها، وقيل : هو جهد الأرض في حديث عائشة - رضي اله عنها - عن عمر :" بَخَعَ الأرض " تعني جهدها ؛ حتَّى أخذ ما فيها من أموالِ ملوكها، وهذا استعارة، ولم يفسِّره الزمخشري هنا بغير القتل والإهلاك، وقال في سورة الشعراء :" البَخْع " : أن يبلغَ بالذَّبْح البِخَاع بالباء وهو عرقٌ مستبطن الفقار، وذلك أقصى حدِّ الذابح.
قال شهاب الدين : وسمعت شيخنا علاء الدين القونيَّ يقول :" تَتبَّعتُ كُتبَ الطبِّ والتشريح، فلم أجد لهذا اصلاً ".

فصل يحتمل أنه لما ذكروه، سمَّوه باسم آخر ؛ لكونه أشهر فميا بينهم.


وقال الرَّاغب :" البَخْعُ : قتلُ النفس غمًّا " ثم قال :" وبَخعَ فلانٌ بالطاعة، وبما عليه من الحق : إذا أقرَّ به، وأذعن مع كراهةٍ شديدةٍ، تجري مجرى بخعِ نفسه في شدَّته ".
قوله :" عَلى آثَارِهمْ " متعلقٌ بـ " بَاخِعٌ " أي : من بعد هلاكهم.
يقال : مات فلانٌ على أثر فلانٍ، أي بعده، وأصل هذا أنَّ الإنسان، إذا مات، بقيت علاماتهُ، وآثارهُ بعد موته مدَّة، ثمَّ إنَّها تنمحي وتبطل بالكليَّة، فإذا كان موته قريباً من [موت] الأول، كان موته حاصلاً حال بقاءِ آثار الأول، فصحَّ أن يقال : مات فلانٌ على أثرِ فلانٍ.
قوله :﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـاذَا الْحَدِيثِ﴾ يعني القرآن.
قال القاضي : وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديثٌ، وذلك يدلُّ على فساد قول من يقول : إنه قديمٌ.
وأجيب بأنه محمول على الألفاظ، وهي حادثة.
قوله :﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ﴾ : قرأ العامة بكسر " إنْ " على أنها شرطية، والجواب محذوفٌ
٤٢٥
عند الجمهور ؛ لدلالة قوله :" فَلعلَّكَ "، وعند غيرهم هو جوابٌ متقدِّم، وقرئ :" أنْ لَمْ " بالفتح ؛ على حذف الجارِّ، أي : لأنْ لم يؤمنوا.
وقُرئ " بَاخِعُ نَفْسِكَ " بالإضافة، والأصل النصبُ، وقال الزمخشري " وقرئ طبَاخعُ نَفْسكَ " على الأصل، وعلى الإضافة.
أي : قاتلها ومهلكها، وهو للاستقبال فيمن قرأ " إنْ لمْ يُؤمِنُوا "، وللمضيِّ فيمن قرأ " إنْ لم تُؤمنوا " بمعنى : لأن لم تُؤمِنُوا " يعني أنَّ باخعاً للاستقبال في قراءة كسر " إنْ " فإنها شرطية، وللمضيِّ في قراءةِ فتحها، وذلك لا يأتي إلا في قراءة الإضافة ؛ إذ لا يتصوَّر المضيُّ مع النصب عند البصريين، وعلى هذا يلزم ألاَّ يقرأ بالفتح، إلا من قرأ بإضافة " بَاخِع "، ويحتاج في ذلك إلى نقل وتوقيف.
قوله :" أسفاً " يجوز أن يكون مفعولاً من أجله، والعامل فيه " بَاخعٌ " وأن يكون مصدراً في موضع الحال من الضمير في " بَاخعٌ ".
والأسف : الحزن، وقيل : الغضب، وقد تقدَّم في الأعراف عند قوله :﴿غَضْبَانَ أَسِفاً﴾ [الأعراف : ١٥٠] وفي يوسف عند قوله :﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ﴾ [يوسف : ٨٤].
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٤
قوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا﴾ الآية.
قال القاضي : وجه النَّظم كأنه يقول : يا محمد، إنِّي خلقتُ الأرض، وزينتها، وأخرجتُ منها أنواع المنافع والمصالح، وأيضاً، فالمقصود من خلقها بما فيها من المصالح ابتلاء الخلق بهذه التكاليف، ثم إنَّهم يكفرون ويتمرَّدون، ومع ذلك، فلا أقطع عنهم موادَّ هذه النِّعم، فأنت أيضاً يا محمد لا يهمُّك الحزن ؛ بسبب كفرهم إلى أن تترك الاشتغال بدعوتهم إلى الدِّين.
قوله :﴿زِينَةً﴾ : يجوز أن ينتصب على المفعول له، وأن ينتصب على الحال، إن جعلت " جَعلْنَا " بمعنى " خَلقْنَا " ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، إن ك انت " جَعَلَ " تصييرية، و " لها " متعلق بـ " زَينةً " على العلَّة، ويجوز أن تكون اللام زائدة في المفعول، ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ صفة لـ " زينةً ".
وقوله :" لنَبْلُوهُمْ " متعلق بـ " جَعلْنَا " بمعنييه.
٤٢٦
قوله :" أيُّهمْ أحْسنُ " يجوز في " أيُّهُمْ " وجهان : أحدهما : أن تكون استفهامية مرفوعة بالابتداء، و " أحسنُ " خبرها، والجملة في محلِّ نصب متعلقة بـ " نَبْلُوهُمْ " لأنه سببُ العلم، والسؤال، والنظر.
والثاني : أنَّها موصولة بمعنى الذي و " أحْسَنُ " خبر مبتدأ مضمرٍ، والجملة صلة لـ " أيُّهمْ " ويكون هذا الموصول في محلِّ نصبٍ بدلاً من مفعول " لنَبْلُوهُمْ " تقديره لِنَبلُو الذي هو أحسنُ ؛ وحينئذٍ تحتمل الضمة في " ايُّهم " أن تكون للبناء، كهي في قوله تعالى :﴿لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ﴾ [مريم : ٦٩] على أحد الأقوالِ، وفي قوله :[المتقارب] ٣٤٨٤ - إذَا مَا أتَيْتَ بَنِي مالكٍ
فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ


الصفحة التالية
Icon