وشرط البناء موجودٌ، وهو الإضافة لفظاً، وحذف صدر الصلة، وهذا مذهب سيبويه، وأن تكون للإعراب ؛ لأنَّ البناء جائزٌ لا واجبٌ، ومن الإعراب ما قُرِئ به شاذًّا ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـانِ﴾ [مريم : ٦٩] وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في مريم.
والضمير في " لِنبلوهُمْ " و " أيُّهم " عائد على ما يفهم من السِّياق، وهم سكان الأرض.
وقيل : يعود على ما على الأرض، إذا أريد بها العقلاء، وفي التفسير : المراد بذلك الرُّعاة.
وقيل : العلماء والصلحاء والخلفاء.
فصل في المقصود بالزينة اختلفوا في تفسير هذه الزينة، فقيل : النَّبات، والشجر، والأنهار.
كما قال تعالى :﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس : ٢٤] وضمَّ بعضهم إليه الذَّهب، والفضَّة، والمعادن، وضمَّ بعضهم إلى ذلك جميع الحيوان، فإن قيل : أي زينة في الحيَّات والعقارب [والشياطين].
فالجواب : فيها زينةٌ ؛ بمعنى أنَّها تدلُّ على وحدانيَّة الله تعالى.
وقال مجاهد : أراد الرجال خاصَّة هم زينة الأرض.
وقيل : أراد به العلماء والصلحاء.
وقيل : أراد به الناس.
٤٢٧
وبالجملة، فليس في الأرض إلاَّ المواليد الثلاثة، وهي المعادن، والنبات، والحيوان، وأشرف أنواع الحيوان الإنسان.
قال القاضي : الأولى ألاَّ يدخل المكلَّف في هذه الزِّينة ؛ لأنَّ الله تعالى قال :﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم﴾ فمن يبلوهم يجب ألاَّ يدخل في ذلك.
وأجيب بأن قوله :﴿زِينَةً لَّهَا﴾ أي للأرض، ولا يمتنع أن يكون ما تحسن به الأرض زينة لها، كما جعل الله السَّماء مزينة بالكواكب.
وقوله :﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ لنختبرهم ﴿أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾، أي : أصلح عملاً.
وقيل : أيُّهم أترك للدُّنيا.
فصل ذهب هشام بن الحكم إلى أنَّه تعالى لا يعلم الحوادث إلاَّ عند دخولها في الوجود، فعلى هذا : الابتلاءُ والامتحانُ على الله جائز ؛ واحتجَّ بأنه تعالى لو كان عالماً بالجزئيَّات قبل وقوعها، لكان كلُّ ماعلم وقوعه واجب الوقوعِ، وكل ما علم عدمه ممتنع الوقوعِ، وإلاَّ لزم انقلابُ علمه جهلاً، وذلك محالٌ، والمفضي إلى المحال محالٌ، ولو كان ذلك واجباً، فالذي علم وقوعه يجبُ كونه فاعلاً له، ولا قدرة له على التَّرك، والذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع، ولا قدرة له على الفعل، وعلى هذا يلزم ألاَّ يكون الله قادراً على شيءٍ أصلاًن بل يكون موجباً بالذَّات.
وأيضاً، فيلزم ألا يكون للعبد قدرة على الفعل، ولا على التركِ ؛ لأنَّ ماعلم الله وقوعه، امتنع من العبد تركه، وما علم عدمه، امتنع منه فعله، فالقول بكونه تعالى عالماً بالأشياء قبل وقوعها، يقدح في الربوبيَّة، وفي العبوديَّة، وذلك باطلٌ ؛ فثبت أنَّه تعالى إنما يعلم الأشياء عند وقوعها، أي عند ذلك، وعلى هذا التقدير، فالابتلاءُ والامتحانُ والختبار غي رجائز عليه، وعند هذا قال : يجرى قوله :﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ على ظاهره.
وأمَّا جمهور علماء الإسلام، فقد استبعدوا هذا القول، وقالوا : إنه تعالى من الأزل إلى الأبدِ عالمٌ بجميع الجزئيَّات، والابتلاءُ والامتحان عليه محال، وأينما وردت هذه الألفاظ فالمراد أنه تعالى يعاملهم معاملة، لو صدرت عن غيره، لكانت على سبيل الابتلاءِ والامتحانِ.
فصل في تعليل أفعال الله تعالى قالت المعتزلةُ : دلَّت هذه الآية ظاهراً على أنَّ أفعال الله تعالى معلَّلة بالأغراض وقال أهل السنة : هذا محالٌ ؛ لأنَّ التعليل بالغرض إنَّما يصحُّ في حقِّ من لا يصحُّ منه
٤٢٨