تحصيل ذلك الغرض، إلاَّ بتلك الواسطة، وهذا يقتضي العجز، وهو على الله تعالى محالٌ.
قوله :﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً﴾.
والمعنى أنَّه تعالى إنما زيَّن الأرض ؛ لأجل الامتحان والابتلاء، لا لأجل أن يبقى الإنسان فيها متنعِّماً بها لا زاهداً فيها أي : لجاعلون ما عليها من هذه الزِّينة ﴿صَعِيداً جُرُزاً﴾.
ونظيره :﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن : ٢٦].
وقوله :﴿فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا اا أَمْتاً﴾ [طه : ١٠٦، ١٠٧].
وقوله :﴿وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق : ٣، ٤].
والمعنى أنَّه لا بدَّ من المجازاةِ بعد إفناء ما على الأرض، وتخصيص الإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض، إلا أنَّ سائر الآيات دلَّت أيضاً على أنَّ الأرض لا تبقى، وهو قوله :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ [إبراهيم : ٤٨].
قوله :﴿صَعِيدًا﴾ : مفعول ثانٍ ؛ لأنَّ الجعل هنا تصيير ليس إلاَّ، والصعيد : التراب.
وقال أبو عبيدة : الصعيد المستوي من الأرض.
وقال الزجاج : هو الطَّريق الذي لا طين له، أو لا نبات فيهز وقد تقدَّم في آية التيمم.
والجُرزُ : الذي لا نيات به، يقال : سَنةٌ جُرُز، وسنُونَ أجرازٌ : لا مطر فيها، وأرضٌ جُرزٌ، وأرضُونَ أجْرازٌ : لا نبات فيها قال الفراء : جَرزَتِ الأرض ؛ فهي مجروزة إذا ذهب نباتها بقحطٍ أو جرازٍ يقال جرزها الجراد والشياة والإبل إذا أكل ما عليها وامرأة مجروز : إذا كانت أكولة.
قال الشاعر :[الرجز] ٣٤٨٥ - إنَّ العَجُوزَ خَبَّةً جَرُوزا
تَأكلُ كُلَّ لَيْلةٍ قَفِيزا
وسيف جراز، إذا كان مستأصلاً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٦
قوله :﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً﴾ الآية.
معناها : أظننت، يا محمد، أنَّ أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً.
٤٢٩
وقيل : معناه أنَّهم ليسوا بأعجب من آياتنا ؛ فإنَّ ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجبُ منهم، فكيف يستبعدُ من قدرته ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنةٍ وأكثر ؟ هذا وجه النظم.
وقد تقدَّم سببُ نزولِ قصَّة أصحاب الكهف عند قوله :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء : ٨٥].
والكهف هو الغار في الجبل وقيل : مطلق الغار، وقيل : هو ما اتسع ف يالجبل، فإن لم يتَّسِعْ، فهو غارٌ، والجمع " كُهُوف " في الكثرة، و " أكْهُفٌ " في القِلَّةِ.
والرَّقيم : قيل : بمعنى مرقوم.
وعلى هذا قال أهل المعاني : الرَّقيمُ الكتاب.
ومنه قوله :﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ [المطففين : ٩] أي : مكتوب.
قال الفراء : الرقيم لوحٌ كان فيه أسماؤهم وصفاتهم، وسمِّي رقيماً ؛ لأنَّ أسماءهم كانت مرقومة فيه.
قال سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ : كان لوحاً من حجارةٍ، وقيل : من رصاصٍ، كتبنا فيه أسماءهم وصفاتهم، وشدَّ ذلك اللَّوح على باب الكهف، وهو أظهر الأقوال.
وقيل : بمعنى راقم، وقيل : هو اسم الكلب الذي لأصحاب الكهفِ، وأنشدوا لأمية بن أبي الصَّلت :[الطّويل] ٣٤٨٦ - وليْسَ بِهَا إلاَّ الرَّقيمُ مُجاوِراً
وصِيدَهُمُ، والقَوْمُ بالكهْفِ هُمَّدُ
وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّه قال : كلُّ القرآن معلومٌ إلا أربعة : غسلين، وحناناً، والأوَّاه، والرَّقيم.
وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنه سئل عن الرَّقيم فقال : زعم كعبٌ أنَّها القرية التي خرجوا منها، وهو قول السديِّ.
وحكي عن ابن عباس : أنَّه اسمٌ للوادي الذي فيه أصحاب الكهف، وعلى هذا هو من رقمة الوادي، وهو جانبه.
٤٣٠


الصفحة التالية
Icon