وقيل : اسم للجبلِ الذي فيه الكهف.
قوله :﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ :" أم " هذه منقطعة، فتقدَّر بـ " بل " التي للانتقال، لا للإبطال، وبهمزة الاستفهام عند جمهور النحاة، و " بل " وحدها أو بالهمزة وحدها عند غيرهم، وتقدَّم تحقيق القولِ فيها.
و " أنَّ " وما في حيِّزها سادَّةٌ مسدَّ المفعولين، أو أحدهما، على الخلافِ المشهور.
قوله :" عَجَباً " يجوز أن تكون خبراً، و " مِنْ آيَاتِنَا " حالٌ منه، وأن يكون خبراً ثانياً، و " مِنْ آيَاتِنَا " خبراً أوَّل، وأن يكون " عجباً " حالاً من الضمير المستتر في " من آيَاتِنَا " لوقوعه خبراً، ووحَّد، وإن كان صفة في المعنى لجماعة ؛ لأن أصله المصدر قال ابن الخطيب : عجباً، و " العجب " ها هنا مصدر، سمِّي المفعول به، والتقدير :" كانوا معجوباً منهم " فسمُّوا بالمصدر.
وقالوا :" عَجَباً " في الأصل صفة لمحذوفٍ، تقديره : آية عجباً، وقيل : على حذف مضافٍ، أي : آية ذات عجبٍ.
قوله :﴿إِذْ أَوَى﴾ : يجوز أن ينتصب بـ " عَجَباً " وأن ينتصب بـ " اذْكُرْ " ؛ لأنه لا يجوز أن يكون " إذْ " ههنا متعلقاً بما قبله على تقدير " أمْ حَسِبْتَ " ؛ لأنَّه كان بين النبي ﷺ وبينهم مدة طويلة، فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف، بل يتعلق بمحذوفٍ.
والتقدير : اذكر إذ أوى الفتيةُ إلى الكهف، والمعنى صاروا إليه، وجعلوهُ مأواهم، فقالوا :﴿رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ أي من خزائن رحمتك.
قوله :" وهَيِّئ " : العامة على همزة بعد الياء المشددة، وأبو جعفر وشيبة والزهريُّ بياءين : الثانية خفيفة، وكأنَّه أبدل الهمزة ياء، وإن كان سكونها عارضاً، ورُوِيَ عن عاصم " وهيِّ " بياءٍ مشددة فقط، فيحتمل أن يكون حذف الهمزة من أول وهلةٍ تخفيفاً، وأن يكون أبدلها ؛ كما فعل أبو جعفرٍ، ثم أجرى الياء مجرى حرفِ العلَّة الأصليِّ، فحذفه، وإن كان الكثير خلافه، ومنه : ٣٤٨٧ - جَرِيءٍ مَتَى يُظلمْ يُعَاقِبْ بظُلمهِ سَرِيعاً وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ معنى " هيِّئ لنا " أصلخ من قولك " هيَّأت الأمرَ، فتهيَّأ ".
وقرأ أبو رجاء " رُشداً " ها هنا بضم الراء وسكون الشين، وتقدم تحقيق ذلك في الأعراف، وقراءة العامة هنا أليق ؛ لتوافق الفواصل.
والتقدير : هيِّئ لنا أمراً ذا رشدٍ ؛ حتَّى نكون بسببه راشدين مهتدين.
وقيل : اجعل أمرنا رشداً كلَّهُ ؛ كقولك : رَأيتُ منه رشداً.
قوله :﴿فَضَرَبْنَا﴾ : مفعوله محذوف، أي : ضربنا الحجاب المانع، و " عَلَى آذانِهم " استعارة للزوم النوم ؛ كقول الأسود :[الكامل] ٣٤٨٨ - ضَربتْ عَليْكَ العَنْكبُوتَ بِنَسْجِهَا
وقضَى عَليْكَ بشهِ الكِتابُ المُنزَلُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
ونصَّ على الآذان ؛ لأنَّ بالضَّرب عليها خصوصاً يحصل النُّومُ.
وأمال " آذانهم ".
قوله :﴿فِي الْكَهْفِ﴾ وهو ظرف المكان، ومعنى الكلام : إنَّما هم في الكهف، واسمه خيرم، واسم الجبل الذي هو فيه [مخلوس].
وقوله :" سِنينَ " ظرف " زمان " لـ " ضَربْنَا " و " عَدداً " يجوز فيه أن يكون مصدراً، وأن يكون " فعلاً " بمعنى مفعول، أي من باب تسمية المفعول باسم المصدر، كالقبض والنَّقض.
فعلى الأول : يجوز نصبه من وجهين : احدهما : النعت لـ " سنين " على حذف مضافٍ، اي : ذوات عدد، أو على المبالغة على سبيل التأكيد والنصب بفعلٍ مقدرٍ، أي : تعدُّ عدداً.
وعلى الثاني : نعتٌ ليس إلا، أي : معدودة.
فصل [اذكر العدد هنا على سبيل التأكيد] قال الزجاج : ذكر العدد ها هنا يفيد كثرة السِّنين، وكذلك كل شيءٍ ممَّا يعدُّ إذا ذكر فيه العددُ، ووصف به، اريد كثرته ؛ لأنَّه إذا قلَّ، فهم مقداره بدون التعديد، أمَّا إذا ذكر فيه العددُ، ووصف به، أريد كثرته ؛ لأنَّه إذا قلَّ، فهم مقداره بدون التعديد، أمَّا إذا كثر فهناك يحتاج إلى التعديد، فإذا قلت : أقمتُ أيَّاماً عدداً، أردتَّ به الكثرة.
قوله :﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ﴾.
اللام لامُ الغرض ؛ فيدل على أن أفعال الله تعالى معلَّلة بالأغراض، وقد تقدم الكلام فيه، ونظير هذه الآية في القرآن كثير، منها ما سبق في هذه السورة، وفي سورة البقرة :﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ﴾ [البقرة : ١٤٣] وفي آل عمران :﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ [آل عمران : ١٤٢] وقوله :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ﴾ [محمد : ٣١].

فصل وقال بعض العلماء :" لِنعلمَ " أي : علم المشاهدة.


وقوله :﴿لِنَعْلَمَ﴾ : متعلق بالبعث، والعامة على نون العظمة ؛ جرياً على ما تقدم
٤٣٢


الصفحة التالية
Icon