في الفاعل ؛ إصلاحاً للفظ أي ما أبصر الله بكلِّ موجودٍ، وأسمعه بكلِّ مسموعٍ.
والثاني : أنَّ الفاعل ضمير المصدر.
والثالث : أنه ضمير المخاطب، أي : أوقع أيُّها المخاطب، وقيل : هو أمر حقيقة لا تعجب، وأن الهاء تعود على الهدى المفهوم من الكلام.
وقرأ عيسى :" أسْمعَ " و " أبْصرَ " فعلاً ماضياً، والفاعل الله تعالى، وكذلك الهاء في " به "، أي : أبصر عباده وأسمعهم.
وتقدَّم الكلام على هذه الكلمة عند قوله :﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ [البقرة : ١٧٥].
قوله :﴿مَا لَهُم﴾ أي : ما لأهلِ السموات والأرض.
قوله :" مِنْ دُونهِ " أي : من دون الله.
قوله :" مِنْ وليٍّ " أي من ناصرٍ.
و " مِنْ وليٍّ " يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ.
قوله :" ولا يُشْرِكُ " قرأ ابن عامر بالتاء والجزم [عطفاً على قوله :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ﴾ [الكهف : ٢٣] وقوله :﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى ﴾ ] أي : ولا تشركْ أنت أيها الإنسانُ، والباقون بالياء من تحت، ورفع الفعل، أي : ولا يشرك الله في حكمه أحداً، فهو نفيٌ محضٌ.
فصل في المراد بالحكم في الآية قيل : الحكم ها هنا علم الغيب، أي : لا يشركُ في علم غيبه أحداً.
وقرأ مجاهد وقتادة :" ولا يُشرِكْ " بالياء من تحت والجزم.
قال يعقوب :" لا أعرف وجهه ".
قال شهاب الدين : وجهه أنَّ الفاعل ضميرُ الإنسان، أضمر للعلم به.
والضمير في قوله " مَا لهُمْ " يعود على معاصري رسول الله ﷺ، قال ابن عطية :" وتكون الآية اعتراضاً بتهديد " كأنَّه يعني بالاعتراض : أنهم ليسوا ممَّن سيق الكلام لأجلهم، ولا يريد الاعتراض الصِّناعي.
فصل قوله :﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ﴾.
٤٦٥
قيل : ما لأصحاب الكهف من دون الله وليٌّ ؛ فإنَّه هو الذي يتولَّى حفظهم في ذلك النَّوم الطَّويل.
وقيل : ليس لهؤلاءِ القوم المختلفين في مدَّة لبث أصحاب الكهف وليٌّ من دون الله، يتولَّى أمرهم، ويقيم لهم تدبير أنفسهم، فإذا كانوا محتاجين إلى تدبير الله وحفظه، فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير إعلامه ؟ !.
فصل واختلفوا في زمن أصحاب الكهف وفي مكانهم، فقيل : كانوا قبل موسى - عليه الصلاة والسلام - وأنَّ موسى ﷺ ذكرهم في التَّوراة، فلهذا سأل اليهودُ رسول الله ﷺ عن قصَّتهم.
وقيل : دخلوا الكهف قبل المسيح، وأخبر المسيحُ بخبرهم، ثم بعثوا في الوقت الذي بين عيسى، وبين محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إنَّهم دخلوا الكهف بعد الميسح، حكى هذا القول القفَّال عن محمد بن إسحاق، وذكر أنهم لم يموتوا، ولا يموتون إلى يوم القيامة.
وأمَّا مكان الكهف، فحكى القفَّال عن محمد بن موسى الخُوارزميِّ المنجم : أن الواثق أنفذه ؛ ليعرف حال أصحاب الكهف من ملك الرُّوم، قال : فوجَّه ملكُ الرُّوم معي أقواماً إلى الموضع الذي يقال إنهم فيه.
وقيل : إنَّ الرجل قال : إنَّ الرجل الموكَّل بذلك الموضع فزَّعني من الدُّخول عليهم، قال : فدخلت فرأيت الشُّعور على صدورهم.
قال : وعرفت أنَّ ذلك تمويهٌ واحتيالٌ، وأنَّ الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة ؛ لتصونها عن البلاء ؛ كالتلطيخ بالصَّبر وغيره.
قال القفَّال : والذي عندنا أنَّ موضع أصحاب الكهف لا يعرف، ولا عبرة بقول أهل الرُّوم، وذكر الزمخشري عن معاوية " أنَّه لما غزا الرُّومَ، فمرَّ بالكهف، فقال : لو كشف عن هؤلاء، ننظر إليهم، فقال له ابن عباس : أيُّ شيءٍ لك في ذلك ؟ قد منع الله من هو خيرٌ منك، فقال :﴿لَو اطَّلعتَ عَليْهِمْ، لولَّيتَ مِنهُمْ فِراراً، ولمُلِئْتَ مِنهُمْ رُعْباً﴾.
فقال : لا أنتهي عن ذلك، حتَّى أعلم حالهم، فبعث أناساً، فقال : اذهبوا، فانظروا، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً، [فأخرجتهم] ".
فصل قال ابن الخطيب : والعلم بذلك الزَّمان، وذلك المكان، ليس للعقل فيه مجالٌ،
٤٦٦