وقرأ عيسى بن عمر " أقلُّ " بالرفع، ويتعيَّن أن يكون " أنا " مبتدأ، و " أقلُّ " خبره، والجملة : إمَّا في موضع المفعول الثاني، أو في موضع الحال على ما تقدَّم في الرؤية.
و " مَالاً وولداً " تمييزٌ، وجواب الشرط قوله " فعَسَى ربِّي ".
قوله :﴿حُسْبَانًا﴾ : الحسبان مصدر حسب الشيء يحسبه، أي : أحصاهُ، قال الزجاج :" أي عذاب حسبان، أي : حساب ما كسبت يداك " وهو حسن.
فصل في معنى الحسبان قال الراغب :" قيل : معناه ناراً، وعذاباً، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسبُ عليه، فيجازى بحسبه " وهذا موافق لما قاله أبو إسحاق، والزمخشريُّ نحا إليه أيضاً، فقال :" والحُسْبان مصدر ؛ كالغفران والبطلان بمعنى الحساب، أي : مقداراً حسبه الله وقدَّره، وهو الحكم بتخريبها ".
وهو قول ابن عباس وقيل : جمع حسبانةٍ، وهي السَّهمُ.
وقال ابن قتيبة : مرامي من السَّماء، وهي مثل الصَّاعقة، أي : قطع من النَّار.
قوله :﴿أَوْ يُصْبِحَ﴾ : عطف على " يُرْسلَ " قال أبو حيَّان : و " أوْ يُصْبِحَ " عطفٌ على قوله :" ويُرْسِلَ " لأن غُؤورَ الماءِ لا يتَسبَّبُ عن الآفةِ السماوية، إلا إن عنى بالحسبان القضاء [الإلهيَّ] ؛ فحينئذ يتسبَّب عنه إصباحُ الجنة صعيداً زلقاً، أو إصباح مائها غوراً.
والزَّلقُ والغَوْرُ في الأصل : مصدران وصف بهما للمبالغة.
والعامة على فتح الغين، غَارَ المَاءُ يَغورُ غَوراً : غَاضَ وذهب ف يالأرض، وقرأ البرجميُّ بضم الغين لغة في المصدر، وقرأت طائفة " غُؤوراً " بضمِّ الغين، والهمزة، وواوٍ ساكنة، وهو مصدر أيضاً، يقال : غار الماء غؤوراً مثل : جلس جلوساً.
فصل في معنى قوله :﴿فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ معنى قوله :﴿فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها، وقيل : تزلق فيها الأقدام.
وقال مجاهد : رملاً هائلاً، والصعيد وجه الأرض.
﴿أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً﴾ أي : غائراً منقطعاً ذاهباً لا تناله الأيدي، ولا الدِّلاءُ، والغور : مصدر وقع موقع الاسم، مثل زور وعدل.
قوله :﴿فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾ أي : فيصير بحيثُ لا تقدر على ردِّه إلى موضعه.
٤٩٤
ثمَّ أخبر الله تعالى أنَّه حقَّق ما قدره هذا المؤمن، فقال :﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ اي : أحاط العذاب بثمر جنته، وهو عبارة عن إهلاكه بالكليَّة، وأصله من إحاطة العدوِّ ؛ لأنَّه إذا أحاط به، فقد استولى عليه، ثمَّ استعمل في كلِّ إهلاكٍ، ومنه قوله تعالى :﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف : ٦٦].
قوله :﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ : قُرئ " تَقلَّبُ كفَّاهُ "، أي : تتقلَّب كفَّاه، و " أصْبحَ " : يجوز أن تكون على بابها، وأن تكون بمعنى " صار " وهذا كناية عن الندم ؛ لأنَّ النادم يفعل ذلك.
قوله :﴿عَلَى مَآ أَنْفَقَ﴾ يجوز أن يتعلق بـ " يُقلِّبُ " وإنما عدِّي بـ " عَلَى " لأنه ضمِّن معنى " يَندَمُ ".
وقوله :" فيها "، أي : في عمارتها، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل " يُقلِّبُ " أي : متحسِّراً، كذا قدَّره أبو البقاس، وهو تفسير معنى، والتقدير الصناعي ؛ إنما هو كونٌ مطلقٌ.
قوله :" ويَقُولُ " يجوز أن يكون معطوفاً على " يُقلِّبُ " ويجوز أن يكون حالاً.
فصل في كيفية الإحاطة قال المفسرون : إنَّ الله تعالى أرسل عليها ناراً، فأهلكتها وغار ماؤها، ﴿فَأَصْبَحَ﴾ صاحبها الكافر ﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾، أي : يصفِّق بيديه، إحداهما على الأخرى، ويلقِّب كفَّيه ظهراً لبطن ؛ تأسُّفاً وتلهُّفاً ﴿عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ ساقطة ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ سقوفها، فتسقَّطت سقوفها، ثمَّ سقطت الجدران عليها.
ويمكن أنَّ يكون المراد بالعروشِ عروش الكرم، فتسقط العروش، ثم تسقط الجدران عليها.
قوله :﴿وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾.
والمعنى : أن المؤمن، لمَّا قال :﴿لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ قال الكافر : يا ليتني قلت كذلك.
فإن قيل : هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنَّته ؛ لشؤم شركه، وليس الأمر كذلك ؛ لأنَّ أنواع البلاء أكثرها إنَّما تقع للمؤمنين، قال تعالى :﴿وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف : ٣٣].
وقال ﷺ :" خُصَّ البَلاءُ بالأنْبِياءِ، ثمَّ الأوْلياءِ، ثُمَّ الأمثلِ فالأمثَلِ ".
وأيضاً : فلما قال :﴿يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾ فقدم ندم على الشِّرك، ورغب في
٤٩٥


الصفحة التالية
Icon