أم هما من تخذَ، والتاء أصيلةٌ، ووزنهما فعل وافتعل ؟ قولان تقدَّم تحقيقهما في هذا الموضوع، والفعل هنا على القراءتين متعدٍّ لواحدٍ ؛ لأنَّه بمعنى الكسب.
قوله :﴿فِرَاقُ بَيْنِي﴾ : العامة على الإضافة ؛ اتِّساعاً في الظرف، وقيل : هو بمعنى الوصل.
كقوله :[الطويل] ٣٥٥٨ -.................
وجِلْدَةُ بين العيْنِ والأنْفِ سَالِمُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٨
وحكى القفال عن بعض أهل العربيَّة أنَّ البين هو الوصل ؛ لقوله ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤]، فيكون المعنى هذا فراقُ اتصالنا، كثول القائل : أخزى الله الكاذب بيني وبينك، أي : أحدنا هكذا.
قاله الزجاج.
وقرأ ابن أبي عبلة " فِراقُ " بالتنوين على الأصل، وتكرير المضاف إليه عطفاً بالواو هو الذي سوَّغ إضافة " بين " إلى غير متعددٍ ؛ ألا ترى أنَّك لو اقتصرت على قولك :" المَالُ بيني " لم يكن كلاماً ؛ حتى تقول : بيننا أو بيني وبين فلانٍ.
وقوله :" هذا " أي : هذا الإنكار على ترك الأجر هو المفرَّق بيننا.
وقيل : إنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا شرط أنَّه إنْ سأله بعد ذلك سؤالاً ىخر، حصل الفراق بقوله :[ ﴿إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني﴾ فلما ذكر هذا السؤال فارقه ذلك العالم، وقال] :﴿هَـذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ أي : هذا الفراق [الموعود]، ثم قال :﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾.
قرأ ابن وثَّاب " سَانْبِيكَ " بإخلاص الياء بدل الهمزة.
قوله تعالى :﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ : العامة على تخفيف السين، جمع
٥٤٤
" مِسْكين ".
وقرأ عليٌّ أميرالمؤمنين - كرَّم الله وجهه - بتشديدها جمع " مسَّاك " وفيه قولان : أحدهما : أنه الذي يمسكُ سكَّان السفينة، وفيه بعض مناسبة.
والثاني : أنَّه الذي يدبغُ المُسوكَ جمع " مَسْكٍ " بفتح الميم، وهي الجلود، وهذا بعيدٌ ؛ لقوله :﴿يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ قال شهاب الدين ولا أظنُّها إلا تحريفاً على أمير المؤمنين، و " يَعْملُونَ " صفة لمساكين.
قوله :﴿وَرَآءَهُم مَّلِكٌ﴾ " وَرَاء " هنا بمعنى المكان.
وقيل :" وَراءَهُمْ " بمعنى " أمَامَهُمْ " ؛ كقوله :﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ﴾ [إبراهيم : ١٦] وقيل :" وَراءَهُمْ " خلفهم، وكان رجوعهم في طريقهم عليه.
والأول أصحُّ ؛ لقوله :﴿مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ﴾ [إبراهيم : ١٦] ويؤيِّده قراءة ابن عباس : وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غصباً وقال سوارُ بن المضرِّب السعديُّ :[الطويل] ٣٥٥٩ - أيَرْجُو بنُو مَرْوانَ سَمْعِي وطَاعتِي
وقَوْمِي تَميمٌ والفَلاةُ وَرائِيَا
وقال تعالى :﴿وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾ [الإنسان : ٢٧] وتحقيقه : أنَّ كلَّ ما غاب عنك، فقد توارى عنك وتواريت عنه، وقيل : إنَّ تحقيقه أنَّ ما غاب عنك، فقد توارى عنك، وأنت متوارٍ عنه، فكلُّ ما غاب عنك، فهو وراءك، وأمام الشيء وقدامه، إذا كان غائباً عنك، متوارياً عنك، فلم يبعد إطلاق لفظة " وراء " عليه، ويراد بها الزَّمان ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٣٥٦٠ - ألَيْسَ وَرائِي أنْ أدبَّ على العَصَا
فَيأمَنَ أعْدائِي ويَسْأمنِي أهْلِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٨
وقال لبيد :[الطويل] ٣٥٦١ - أليْسَ ورَائِي إنْ تَراخَتْ منيَّتِي
لُزومُ العَصَا تُحْنَى عليْهَا الأصَابِعُ
قوله :" غَصْباً " فيه أوجه : الأول : أنه مصدر في موضع الحال، أو منصوب على المصدر المبين لنوع الأخذ، أو منصوب على المفعول له، وهو بعيد عن المعنى، وادَّعى الزمخشري أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، فقال :" فإن قلت : قوله :" فأردتُّ أن أعيبها " مسبَّبٌ عن خوفه الغصب عليها، فكان حقه أن يتأخَّر عن السبب ؛ فلمَ قُدِّم عليه ؟ قلتُ : النيةُ به التأخيرُ ؛ وإنما قدِّم للعناية به، ولأنَّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين، فكان بمنزلةِ قولك : زيدٌ ظنِّي مقيمٌ ".
٥٤٥
قوله :﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ : التثنية للتغليب، يريد : أباه وأمَّه، فغلَّب المذكَّر، وهو شائع، ومثله : القمران والعمران، وقد تقدَّم [في يوسف] : أنَّ الأبوين يراد بهما الأب والخالة، فهذا أقربُ.
والعامة على " مُؤمنين " بالياء، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، والجحدريُّ " مُؤمنانِ " بالألف، وفيه ثلاثة أوجه : الأول : أنه على لغة بني الحارث، وغيرهم.
الثاني : أن في " كان " ضمير الشَّأن، و " أبواهُ مُؤمِنانِ " مبتدأ وخبر في محل النصب ؛ كقوله :[الطويل] ٣٥٦٢ - إذَا مِتُّ كان النَّاسُ صِنفَانِ شَامتٌ
...............


الصفحة التالية
Icon