وهذا ليس بصحيح ؛ لأنَّه سمع في شعر أميَّة بن أبي الصَّلت :[البسيط] ٣٥٧٣ - كَانَتْ مَنازِلهُمْ إذ ذَاكَ ظَاهِرةً
فيهَا الفَراديسُ ثمَّ الثُّومُ والبَصَلُ
ويقال : كرمٌ مفردسٌ، أي : معرِّش، ولهذا سمِّيت الروضة التي دون اليمامةِ فردوساً.
وإضافة جنَّاتٍ إلى الفردوس إضافة تبيينٍ، وجمعه فراديسُ ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - :" في الجنَّة مائةُ درجةٍ ما بَيْنَ كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عام، والفِردوسُ أعلاها درجةً، وفيها الأنهارُ الأربعة، والفِرْدَوسُ من فَوْقِهَا، فإذا سَألتمُ الله تعالى، فاسْألُوهُ الفِرْدوسَ ؛ فإنَّ فوقها عَرْشُ الرَّحمنِ، ومِنْهَا تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّة ".
قوله :" نُزُلاً " : فيه ما تقدَّم : من كونه اسم مكان النزول، أو ما يعدُّ للضَّيف، وفي نصبه وجهان : أحدهما : أنه خبر " كَانَتْ " و " لهُمْ " متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالق من " نُزلاً " أو على البيان، أو بـ " كَانَتْ " عند من يرى ذلك.
والثاني : أنه حالٌ من " جنَّات " أي : ذوات نُزُلٍ، والخبر الجارُّ.
وإذا قلنا بأنَّ النُّزل هو ما يهيَّأ للنَّازل، فالمعنى : كانت لهم ثمارٌ جنَّات الفردوس، ونعيمها نزلاً، ومعنى " كَانتْ لَهُمْ " أي : في علم الله قبل أن يخلقوا.
٥٧٦
قوله :﴿لاَ يَبْغُونَ﴾ : الجملة حال : إمَّا من صاحب " خَالِدينَ " وإمَّا من الضمير في " خَالِدِينَ " فتكون حالاً متداخلة.
والحِوَلُ : قيل : مصدر بمعنى " التَّحَوُّل " يقال : حال عن مكانه حِوَلاً ؛ فهو مصدر ؛ كالعِوَج، والعِوَد، والصِّغر ؛ قال :[الرجز] ٣٥٧٤ - لِكُلِّ دَولةٍ أجَلْ
ثم يُتَاحُ لهَا حِوَلْ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٧٥
والمعنى : لا يطلبون عنها تحوُّلاً إلى غيرهاز وقال الزجاج :" هو عند قومٍ بمعنى الحيلة في التنقُّل " وقال ابن عطيَّة :" والحِوَلُ : بمعنى التَّحول ؛ قال مجاهد : مُتحوَّلاً " وأنشد الرَّجز المتقدم، ثم قال :" وكأنَّه اسمُ جمعٍ، وكأنَّ واحده حوالةٌ " قال شهاب الدين : وهذا غريبٌ، والمشهور الأول، والتصحيح في " فِعَلٍ " هو الكثير، إن كان مفرداً ؛ نحو :" الحِوَلِ " وإن كان جمعاً، فالعكس ؛ نحو :" ثِيرَة " و " كِبَرة ".
قوله تعالى :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ الآية.
لما ذكر في هذه السورة أنواع الدَّلائل والبيِّنات، وشرح فيها أقاصيص الأوَّلين، نبَّه على كمال حال القرآن، فقال :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾.
قال ابن عباس : قالت اليهود : يا محمد، تزعمُ أنّك قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة : ٢٦٩].
ثم تقول :﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء : ٨٥].
فأنزل الله هذه الآية.
وقيل : لمَّا نزلت :﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ قالت اليهود : أوتينا التوراة، وفيها علمُ كلِّ شيءٍ، فأنزل الله تعالى :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾.
والمِدَادُ : اسمٌ لما تمدُّ به الدَّواة من الحبرِ، ولما يمدُّ به السِّراجُ من السَّليط، وسمي المدادُ مداداً ؛ لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة.
وقال مجاهدٌ : لو كان البحر مداداً للقلم والقلم يكتب " لنفِد البَحْرُ " أي : ماؤهُ.
قوله :" تنفد " : قرأ الأخوان " يَنْفدَ " بالياء من تحت ؛ لأنَّ التأنيث مجازي،
٥٧٧
والباقون بالتاء من فوق ؛ لتأنيث اللفظ، وقرأ السلميُّ - ورويت عن أبي عمرو وعاصم - " تنفَّد " بتشديد الفاء، وهو مطاوع " نفَّد " بالتشديد ؛ نحو : كسَّرته، فتكسَّر، وقراءة الباقين مطاوع " أنْفَدتُّهُ ".
قوله :" ولَوْ جِئْنَا " جوابها محذوفٌ لفهم المعنى، تقديره : لَنفِدَ، والعامة على " مَدداً " بفتح الميم، والأعمش قرأ بكسرها، ونصبه على التمييز كقوله :[الطويل] ٣٥٧٥ -................
فإنَّ اله!وَى يَكْفِيكهُ مثلهُ صَبْرا


الصفحة التالية
Icon