قوله " مِنْ لدُنْكَ " يجوز أن يتعلق بـ " هَب " ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حال من " وليًّا " لأنه في الأصل صفةٌ للنكِرةِ، فقُدِّم عليها.
﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ﴾ : قرأ أبو عمرو، والكسائيُّ بجزم الفعلين على أنَّهما جوابٌ للأمر ؛ إذ تقديره : إن يهبْ، والباقون برفعهما ؛ على انَّهما صفةٌ لـ " وليًّا ".
وقرأ عليٌّ - رضي الله عنه - وابنُ عبَّاسٍ، والحسن، ويحيى بن يعمر، والجحدريُّ، وقتادةُ في آخرين :" يَرِثُنِي " بياء الغيبة، والرَّفع، وأرثُ مسنداً لضمير المتكلِّم.
فصل فيما قرئ به من قوله :﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ﴾ قال صاحب " اللَّوامح " :" في الكلام تقديم وتأخيرٌ ؛ يرثُ نُبُوَّتِي، إنْ منُّ قبلهُ وأرِثُ مالهُ، إن مات قبلي ".
ونُقِلَ هذا عن الحسن.
وقرأ عليٌّ أيضاً، وابنُ عبَّاس، والجحدريُّ " يَرِثُني وارثٌ " جعلوه اسم فاعلٍٍ، أي : يَرثُنِي به وارثٌ، ويُسَمَّى هذا " التجريد " في علم البيان.
وقرأ مجاهدٌ " أوَيْرِثٌ " وهو تصغيرُ " وارِثٍ " والأصل :" وُوَيْرِثٌ " بواوين، وجب قلبُ أولاهما همزة ؛ لاجتماعهما متحركين أول كلمةٍ، ونحو " أوَيْصِلٍ " تصغير " واصلٍ " والواوُ الثانيةُ بدلٌ عن ألفِ " فاعلٍ " و " أوَيْرِثٌ " مصروفٌ ؛ لا يقال : ينبغي أن يكون غير مصروفٍ ؛ لأنَّ فيه علتين : الوصفيَّة، ووزن الفعل، فإنه بزنة " أبَيْطِر " مضارع " بَيْطَرَ " وهذا ممَّا يكون الاسم فيه منصرفاً في التكبير ممتنعاً في التصغير، لا يقالُ ذلك لأنه غلطٌ بيِّنٌ ؛ لأنَّ " أوَيْرِثاً " وزنه فُويْعِلٌ، لا أفَيْعلٌ ؛ بخلاف " أحَيْمِر " تصغير " أحْمَرَ ".
وقرأ الزهريُّ :" وارثٌ " بكسر الواو، ويعنون بها الإمالة.
قوله :" رَضِيًّا " مفعولٌ ثانٍ، وهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، وأصله " رَضِيوٌ " لأنه من الرِّضوان.
فصل معنى قوله :﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً﴾ أعطني من أبناء.
واعلم أنَّ زكريَّا - عليه السلام - قدَّم السؤال ؛ لأمور ثلاثة : الأول : كونه ضعيفاً.
١٠
والثاني : أن الله تعالى ما ردَّ دعاءه.
والثالث : كونُ المطلُوب سبباً للمنفعة في الدِّين، ثم بعد ذلك صرَّح بالسُّؤال.
أمَّا كونه ضعيفاً، فالضَّعيف : إمَّا أن يكون في الباطن، أو في الظَّاهر، والضَّعْف في الباطن أقوى من ضعف الظَّاهر، فلهذا ابتدأ ببيان ضعف الباطن، فقال :﴿وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ وذلك لأنَّ العظم أصلبُ أعضاء البدن، وجعل كذلك المنتفعين : الأولى : ليكون أساساً وعمداً يعتمد عليها بقيَّة الأعضاء ؛ لأنَّها موضوعة على العظام، والحاملُ يجبُ أن يكون أقوى من المحمول عليه.
الثاني : أنَّها في بعض المواضع وقاية لغيرها.
واحتج أصحابُ القول الأوَّل أنَّه إذا...
أوّلاً، ثم ردَّ بأنها تكونُ كغيرها من الأعضاء كعظام الصَّلف وقحف الرأس، وما كان كذلك، فيجبُ أن يكون صلباً ؛ ليصبر على ملاقاة الآفاتِ، ومتى كان العظم حاملٌ لسائر الأعضاء، فوصولُ الضعف إلى الحامل موجبٌ لوصوله إلى المحمول، فلهذا خصَّ العظم بالوهْنِ من بين سائر الأعضاء.
وأما ضعف الظاهر، فلاستيلاء ضعف الباطن عليه، وذلك ممَّا يزيدُ الدُّعاء تأكيداً ؛ لما فيه من الارتكان على حول الله وقوته.
وأما كونهُ غير مردُود الدُّعاءِ، فوجه توسله به من وجهين : الأول : أنَّه إذا قبله أوَّلاً، فلو ردَّه ثانياً، لكان الردُّ محبطاً للإنعام الأول، والمنعم لا يسعى في إحباط إنعامه.
والثاني : أنَّ مخالفة العادةِ تشقُّ على النَّفس، فإذا تعوَّد الإنسانُ إجابة الدُّعاء، فلو ردَّ بعد ذلك، لكان ذلك في غاية المشقَّة، والجفاء ممن يتوقع منه الإنعام يكون أشقَّ، فكأنَّ زكريَّا - عليه السلام - قال : إنك إن رددَتَّنِي بعدما عودتَّني القُبول مع نهايةِ ضعفي، كان ذلك بالغاً إلى النِّهاية القصوى في [ألم] القلب، فقال :﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾.
تقولُ العربُ : سعد فلانٌ بحاجته : إذا ظَفِر بها، وشَقِي بها : إذا خَابَ، ولم [يَبْلُغْهَا].
وأمَّا كون المطلُوب منتفعاً به في الدِّين، فهو قوله :﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي﴾.
فصل في اختلافهم في المراد من قوله :﴿خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾ قال ابن عباس والحسن : الموالي : الورثة وقد تقدم.
١١


الصفحة التالية
Icon