فصل في أولي ما تحمل عليه الآية قال الزَّجاج : الأولى أن يحمل على ميراث غير المال ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - :" نَحْنُ معاشِرَ الأنبياءِ - لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صدقةٌ " ولأنه يبعدُ أن يشفق زكريَّا - وهو نبيٌّ من الأنبياء - أن يرث بنُو عمِّه مالهُ.
والمعنى : أنه خاف تضييع بني عمِّه دين الله، وتغيير أحكامه على ما كان شاهدُه من بني إسرائيل من تبديل الدِّين، وقتل من قُتل من الأنبياء، فسأل ربَّه وليًّا صالحاً يأمنُه على أمَّته، ويرثُ نُبوَّته وعلمه ؛ لئلاَّ يضيع الدِّين.
قوله :﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ ؛ الآلُ : خاصَّةُ الرجل الذي يئول أمرهم إليه، ثم قد يئوُل أمرهم إليه لقرابةِ المقربين تارةً ؛ وبالصحابة أخرى ؛ كآل فرعون، وللموافقة في الدِّين ؛ كآل النبيَّ - عليه الصلاة والسلام -.
وأكثر المفسِّرين على أنَّ يعقوب هنا : هو يعقوبُ بنُ إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - لأنَّ زوجة زكريَّا - عليه السلام - هي أختُ مريم، وكانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهوذا بن يعقوب، وأمَّا زكريا - عليه السلام - فهو من ولد هارون أخي موسى، وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب بن إسحاق، وكانت النبوة في سِبْط يعقوب ؛ لأنَّه هو إسرائيلُ - عليه السلام -.
وقال بعضُ المفسِّرين : ليس المرادُ من يعقوب هاهنا ولد إسحاق بن إبراهيم، بل يعقُوب بن ماثان، [أخو عمران بن ماثان]، وكان آلُ يعقوب أخوال يحيى بن زكريَّا، وهذا قولُ الكلبيِّ ومقاتل.
وقال الكلبيُّ : كان بنُو ماثان رُءوس بني إسرائيل ومُلُوكهُم، وكان زكريَّا رئيس الأحبار يومئذٍ، فأراد أن يرثه حُبُورته، ويرث بنو ماثان ملكهم.

فصل في تفسير " رضيًّا " اختلفوا في تفسير " رَضِيًّا " فقيل : برًّا تقيًّا مرضيًّا.


وقيل : مرضيًّا من الأنبياء، ولذلك استجاب الله له ؛ فوهب له يحيى سيِّداً، وحصُوراً، ونبيًّا من الصَّالحين، لم يعصِ، ولم يهم بمعصية.
وقيل :" رَضِيًّا " في أمَّته لا يتلقَّى بالتَّكذيب، ولا يواجهُ بالرَّدِّ.
فصل في الاحتجاج على خلق الأفعال احتجوا بهذه الآية على مسألة خلق الأفعال ؛ لأنَّ زكريَّا - عليه السلام - سأل الله
١٤
تعالى أن يجعله رضيًّا ؛ فدلَّ على أنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى.
فإن قيل : المرادُ : أن يلطف به بضُرُوب الألطاف فيختار ما يصير به رضيًّا عنده، فنسب ذلك إلى الله تعالى.
فالجوابُ من وجهين : الأول : لو حملناه على جعل الألطاف، وعندها يصير إليه المرء باختياره رضيًّا ؛ لكان ذلك مجازاً، وهو خلافُ الأصل.
الثاني : أنَّ جعل تلك الألطاف واجبةً على الله تعالى، لا يجوزُ الإخلال به، وما كان واجباً لا يجوزُ طلبهُ بالدُّعاء والتضرُّع.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤


الصفحة التالية
Icon