بمعنى " فاعل " فينبغي أن تكون بتاء التأنيث ؛ نحو : امرأةٌ قديرةٌ وبصيرةٌ، وقد أجيب عن ذلك : بأنها معنى النَّسب ؛ كحائضٍ وطالقٍ، أي ذات بغي، وقال أبو البقاء، حين جعلها بمعنى " فَاعِل " :" ولم تلحقِ التاءُ أيضاً ؛ لأنها للمبالغةِ " فجعل العلة في عدم اللحاقِ كون للمبالغة ؛ وليس بشيءٍ، وإن قيل بأنَّها بمعنى " مَفْعُول " فعدمُ الياءِ واضحٌ.
وتقدم الكلامُ على قوله :﴿قَالَ كَذالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وهو كقوله في آل عمران ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران : ٤٧] لا يمتنعُ عليه ما يريدُ خلقه، ولا يحتاجُ في إنشائه إلى الآلاتِ والموادِّ.
قوله :" ولنَجْعَلهُ " يجوز أن يكُون علَّةً، ومُعَلَّلُهُ محذوفٌ، تقديره : لنجعله آيةٌ للنَّاسِ فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون نسقاً على علةٍ محذوفةٍ، تقديره : لنُبَيِّنَ به قدرتنا، ولنجعله آيةً، والضميرُ عائدٌ على الغلام، واسم " كان " مضمرٌ فيها، أي : وكان الغلام، أي : خلقه وإيجاده أمراً مقضياً : أي لا بُدَّ منه.
والمرادُ بـ " الآية " العلامةُ، أي : علامة للنَّاسِ، ودلالةً على قُدْرتنا على أنواع الخلق ؛ فإنه تعالى خلق آدم - صلوات الله عليه وسلامه - من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حوَّاءمن ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى - صلوات الله عليه - من أنثى بلا ذكرٍ، وخلق بقيَّة النَّاسِ من ذكرٍ وأنْثَى.
﴿وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾ أي : ونعمةً لمنْ تبعه على دينه، ﴿وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً﴾ محكوماً مفروغاً منه، لا يُرَدُّ، ولا يُبَدَّلُ.
قوله تعالى :﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ﴾.
قيل : إنَّ جبريل - صلوات الله عليه وسلامه - رفع درعها، فنفخ في جيبه، فحملتْ حين لبستْ.
وقيل : نفخ جبريلُ من بعيدٍ، فوصل الرِّيح إليها، فحملت بعيسى في الحالِ.
وقيل : إنَّ النَّفْخة كانت في فيها، فوصلت إلى بطنها.
وقيل : كان النَّافخُ هو الله تعالى ؛ لقوله عزَّ وجلَّ :﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [التحريم : ١٢].
وظاهرهُ ؛ يفيدُ أنَّ النافخَ هو الله تعالى ؛ ولأنه تعالى قال :﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران : ٥٩].
ومقتضى التشبيه حُصُول المُشابهة إلاَّ فيما أخرجه الدَّليل، وفي حقِّ آدم النَّافخُ هو الله تعالى ؛ لقوله عزَّ وجلَّ :﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [الحجر : ٢٩] فكذا هاهنا، وإذا عرفت هذا، ظهر أن في الكلام حذفاً، تقديره :" فَنَفخَ فيها، فحملتهُ ".
٣٦
قيل : حملتْ، وهي بنتُ [ثلاثَ عشرة سنةً].
وقيل : بنتُ عشرين، وقد كانت حاضتْ حيضتين قبل أن تحمل، وليس في القرآن ما يدلُّ على شيء من هذه الأحوال.
قوله تعالى :﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ﴾ : الجارُّ والمجرورُ في محلِّ نصب على الحال، أي : انتبذتْ، وهو مصاحبٌ لها ؛ كقوله :[الوافر] ٣٥٨٥ -.............................
تَدُوسُ بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّرِيبا
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٠