[سَارَ] ذات يومٍ في حاجةٍ، فأصابه وهج الشمس ؛ فقال : يا ربِّ، أنا مشيتُ يوماً فيها ؛ فأصابني المشقةُ الشديدة من وهج الشمس، وأضرَّني حرُّها ضرراً بليغاً - فكيف يحملُها مسيرة خمسمائةِ عامٍ في يومٍ واحدٍ ؟ ! اللَّهُمَّ، خفِّف عنه من ثقلها، وحرِّها، فلمَّا أصبح الملكُ، وجد من خفَّة الشَّمس، وحرها ما لا يعرف ؛ فقال : يا ربِّ، ما الذي قضيت فيه ؟ قال : إنَّ عبدي إدريس سألني أنَّ أخفِّفق عنك حملها، وحرِّها ؛ فأجبته، فقال : ربِّ، اجعل بيني وبينه خُلَّة، فأذن له ؛ حتى أتى إدريسَ، فكان يسألُه إدريسُ، فقال له : إنِّي أخبرتُ أنَّك أكرمُ الملائكةِ، وأمكنُهم عن ملكِ الموتِ ؛ فاسشفعْ لي إليه ؛ ليُؤخِّر أجلِي ؛ فأزداد شكراً وعبادة، فقال الملكُ : يؤخِّرُ الله نفساً، إذا جاء أجلهان وأنا مُكَلِّمُهُ، فرقعهُ إلى السَّماءِ، ووضعهُ عند مطلع الشَّمس، ثُمَّ أتى ملك الموتِ، فقال : حاجةٌ لي إليك ؛ صديقٌ لي مِنْ بني آدم، تشفَّع بي إليك ؛ تُؤخِّر أجله، قال : ليس ذلك إليّ، ولكت إن أحببت، أعلمته أجله ؛ فيتقدَّمُ في نفسه، قال : نَعَم، فنظر في ديوانه، فقال : إنَّك كلَّمتني في إنسانٍ، ما أراه أن يموت أبداً، قال : وكيف ؟ قال : لا أجده يموتُ إلا عند مطلع الشَّمس، قال : فإني أتَيْتُكَ، وتركته هناك : قال : انطللقْ، فلا أرَاكَ تجده إلاَّ وقد مات ؛ فواللهِ، ما بقي من أجلِ إدريسَ شيءٌ ؛ فرجع الملكُ، فوجده ميتاً.
واحتلفُوا في أنَّه حيٌّ في السماء، أم ميِّتٌ ؛ فقيل : هو ميتٌ، وقيل : حيٌّ، وقيل : أربعةٌ من الأنبياء أحياءٌ، اثنان في الأرض ؛ " الخَضِرُ، وإلياسُ " واثنان في السماءِ " إدريسُ، وعيسَى " صلواتُ الله عليهم.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٨١
قوله تعالى :﴿أُولَـائِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيْنَ﴾ الآية.
" مِنْ " الأولى ؛ للبيان ؛ لأنَّ كلَّ الأنبياء منَعَّمٌ عليهم، فالتبعيضُ محالٌ ؛ والثانيةُ للتبعيض ؛ فمجرورها بدلٌ مما قبله بإعادة العاملِ، بدلُ بعضٍ من كلٍّ.
وقوله :" وإسرائيلَ " عطفٌ على [ " إبْراهيمَ ".
قوله :" وممَّنْ هديْنَا " يحتملُ أن يكون عطفاً على " مِنَ النبييِّينَ " وأنْ يكون عطفاً على] " مِنْ ذرَّية آدمَ ".
٨٤
فصل اعلم أنَّه تعالى أثنى على كل واحدٍ ممَّن تقدم ذكرهُ [من الأنبياء]، بما يخُصُّه من الثناء، ثمَّ جمعهم آخراً ؛ فقال تعالى :﴿أُولَـائِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾ أي : بالنبوَّةِ، وغيرها، و " أولئِكَ " إشارةٌ إلى المذكورين في هذه السورة من " زكريَّا " إلى " إدريس " - صلوات الله عليهم - ثمَّ جمعهُم في كونهم من ذرية آدم.
ثُمَّ خصَّ بعضهم بأنهم من ذريَّةِ آدمَ، ممَّن حمله مع نُوحِ، ومنهم من هو من ذرية آدم، دثون من حمله مع نوحٍ ؛ وهو إدريسُ - عليه السلام - فقد كان سابقاً على نُوحٍ.
والذين هم من ذُريَّة من حمل مع نوحٍ، وهو " إبراهيمُ " ؛ لأنَّه [ولدُ] سام بن نُوح، وإسماعيلُ، وإسحاقُ، ويعقوبُ من ذريةِ إبراهيم.
ثم خصَّ بعضهم أنه من ولد إسرائيل، أي : يعقوب، وهم : مُوسَى، وهارونُ، وزكريَّا، ويحيى، وعيسى ؛ من قبل الأمِّ.
فرتَّب الله تعالى أحوال الأنبياء الذين ذكرهم على هذا الترتيب ؛ منبهاً بذلك على أنَّهم كما فُضِّلُوا بأعمالهم، فلهم منزلةٌ في الفضل بولادتهم من هؤلاء الأنبياء.
ثُمَّ بيَّن أنَّهم ممَّن هدينا، واجتبينا ؛ منبِّهاً بذلك على أنَّهُم خُصُّوا بهذه المنازِلِ ؛ لهداية الله تعالى لهمُ، ولأنَّهم اختارهم للرسالةِ.
قوله :" إذا تُتْلى " جملةٌ شرطيةٌ فيها قولان : أظهرهما : أنها لا محلَّ لها ؛ لاستئنافها.
والثاني : أنها خبرُ " أولئكَ " والموصولُ قبلها صفةٌ لاسم الإشارة، وعلى الأول ؛ يكونُ الموصول نفس الخبر.
وقرأ العامَّةُ " تُتْلَى " بتاءين من فوق، وقرأ عبدُ الله، وشيبةُ، وأبو جعفرٍ، وابنُ كثير، وابن عامرٍ، وورشٌ عن نافعٍ في رواياتٍ شاذةٍ : بالياء أوَّلاً من تحت، والتأنيثُ مجازيٌّ ؛ فلذلك جاز في الفعل الوجهان.
قوله تعالى :" سُجَّداً " حالٌ مقدرةٌ ؛ قال الزجاج :" لأنهم وقت الخُرُورِ ليسُوا سُجَّداً ".
و " بُكِيًّا " فيها وجهان " أظهرهما : أنه جمعُ باكٍ، وليس بقياس، بل قياسُ جمعه على فعلة ؛ كقاضٍ
٨٥