لأنه مطاوع نزل، ونزل يكون بمعنى أنزل، ويكون بمعنى التدرج، واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل، والمراد : أن نزولنا في الأحايين وقتاً بعد وقت.
ثال شهاب الدين : وقد تقدم أنه يفرق بين نزَّل وأنزل في أول هذا الموضوع.
وقرأ العامة " نَتَنَزَّلُ " بنون الجمع.
وقرأ الأعرج " يتنزَّلُ " بياء الغيبة، وفي الفاعل حينئذ قولان : أحدهما : أنه ضمير جبريل - عليه السلام -.
قال ابن عطية : ويرده قوله :﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾، لأنه لا يطرد معه، وإنما يتجه أن يكون خبراً عن جبريل أي : القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها.
وقد يجاب ابن عطية بأنه على إضمار القول، أي : قائلاً ما بين أيدينا.
والثاني : أنه يعود على الوحي، وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي.
ولا بد من إضمار هذا القول أيضاً.
قوله :﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾.
استدل بعض النحاة على أن الأزمنة ثلاثة : ماض، وحاضر، ومستقبل بهذه الآية وهو كقول زهير :
٩٨
٣٦١٣ - واعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ
ولكِنَّنِي عن عِلْمِ ما فِي غدٍ عَمِ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩٧
فصل روى ابن عباس أن النبي ﷺ قال :" يا جبريل ما منعك أن تزورنا " فنزلت ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ الآية.
وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل، والكلبي :" احتبس جبريل - عليه السلام - عن النبي ﷺ حين سأل قومه عن أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح فقال :" أخبركم غداً "، ولم يقل : إن شاء الله حتى شق على النبي ﷺ فقال المشركون ودَّعهُ ربه وقلاه، ثم نزل بعد أيام، فقال له رسول الله ﷺ " أبطأت علي حتى ساء ظني، واشتقت إليك " فقال له جبريل - عليه السلام - إني كنت إليك أشوق، ولكنني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست " فنزل قوله :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾، وقوله :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ﴾ [الكهف : ٢٣، ٢٤] وسورة الضحى وفي هذه الآية سؤال : وهو أن قوله :﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً﴾ [مريم : ٦٣] كلام الله، وقوله :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ﴾ كلام غير الله، فكيف جاز هذا على ما قبله من غير فصل ؟.
وأجيب : بأنه إذا كانت القرينة لم يقبح كقوله - تعالى - :﴿إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [مريم : ٣٥]، (وهذا كلام الله تعالى، ثم عطف عليه) ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ [مريم : ٣٦].
واعلم أنَّ ظاهر قوله :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ خطاب جماعة لواحد، وذلك لا يليق بالذين ينزلون على الرسول، فلذلك ذكروا في سبب النزول ما تقدم.
ثم قال :﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ أي : علم ما بين أيدينا قال سعيد بن
٩٩
جبير وقتادة، ومقاتل :" ما بَيْنَ " أيدِينَا " من أمر الآخرة، والثواب، والعقاب، " ومَا خَلْفَنَا " من أمر الدنيا، " ومَا بَيْنَ ذلِكَ " ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة.
وقيل :" مَا بَيْنَ أيْدِينَا " من أمر الآخرة، " ومَا خَلْفَنَا " من أمر الدنيا، " ومَا بَيْنَ ذلِكَ " أي : بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.
وقيل :" مَا بَيْنَ أدينَا " ما بقي من أمر الدنيا، " ومَا خَلْفَنَا " ما مضى منها، " ومَا بَيْنَ ذَلِكَ " هذه حياتنا.
وقيل :: مَا بَيْنَ أيْدِينَا " بعد أن نموت، " ومَا بَيْن ذلكَ " مدة الحياة.
وقيل :" مَا بَيْنَ أيدِينَا " الأرض إذا أردنا النزول إليها، " ومَا خَلْفَنَا " السماء وما أنزل منها، " ومَا بَيْنَ ذلِكَ " الهواء، يريد أن ذلك كله لله - عز وجل - فلا يقدر على شيء إلاَّ بأمره.
ثم قال :﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ أي : ناسياً، أي : ما نسيك ربك بمعنى تركك، والناسي التارك، كقوله :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى : ٣] أي : ما كان امتناع النزول لترك الله لك وتوديعه إياك.
قوله :﴿رَّبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بدل من " ربُّكَ ".
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : هُو ربُّ.
الثالث : كونه مبتدأ والخبر الجملة الأمرية بعده.
وهذا ماشٍ رأي الأخفش، إذ يجوِّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقاً.
١٠٠


الصفحة التالية
Icon