قوله :" لِعبادَتِهِ " متعلق بـ " اصْطَبَرْ " فإن قيل : لِمَ لَمْ يقُلْ : واصطبر على عبادته، لأنها صلته، فكان حقه تعديه بـ " على " ؟.
فالجواب : أنَّه ضمن معنى الثبات، لأنَّ العبادة ذات تكاليف قل من يصبر لها، فكأنَّه قيل : واثبت لها مصطبرا.
واستدلوا بهذه الآية على أنَّ فعل العبد خلق لله - تعالى -، لأنَّ فعل العبدِ حاصل بين السموات والأرض، وهو رب لكل شيء حاصل بينهما.
قوله :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ أدغم الأخوان، وهشام، وجماع لام " هَلْ " في " التاء ".
وأنشدوا على ذلك بيت مُزَاحِم العُقيليّ : ٣٦١٤ - فَذَرْ ذَا ولكِن هَتُّعِينُ مُتَيَّماً
عَلى ضَوْءِ برْقِ آخِرِ اللَّيْلِ نَاصِبِ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩٧
١٠١
فصل دلَّ ظاهر الآية على أنَّه - تعالى - رتب الأمر بالعبادة والأمر بالمصابرة عليها أنه لا سميّ له، والأقرب أنه ذكر الاسم وأراد هل تعلم له نظيراً فيما يقتضي العبادة والتي يقتضيها كونه منعماً بأصول (النعم وفروعها، وهي خلق الأجسام، والحياة والعقل، وغيرها، فإنه لا يقدر على ذلك) أحد سواه - سبحانه وتعالى - وإذا كان قد أنعم عليك بغاية الإنعام، وجب أن تعظمه بغاية التعظيم، وهي العبادة.
قال ابن عباس : هل تعلم له مثلاً.
وقال الكلبي : ليس له شريك في اسمه.
وذلك لأنهم وإن كانوا يطلقون لفظ الإله على الوثن فما أطلقوا لفظ الله - تعالى - على شيء.
قال ابن عباس : لا يسمة بالرحمن غيره.
وأيضاً : هل تعلم من سمي باسمه على الحق دون الباطل، لأنَّ التسمية على الباطل كلا تسمية، لأنها غير معتد بها، والقول الأول أقرب.
قوله تعالى :﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ﴾ الآية.
" إذَا " منصوب بفعل مقدر مدلول عليه بقوله تعالى :﴿لَسَوْفَ أُخْرَجُ﴾، تقديره : إذا مت أبعث أو أحياً، ولا يجوز أن يكون العامل فيه " أخْرَجُ " لانَّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل ما قبلها قال أبو البقاء : لأن ما بعد اللام وسوف لا يعمل فيما قبلها كـ " إنَّ " قال شعاب الدين : قد جعل
١٠٢
المانع مجموع الحرفين، أما اللام فمسلم وأما حرف التنفيس فلا مدخل له في المنع، لأن حرف التنفيس يعمل كا بعده فيما قبله، تقول : زَيْداً سأضَرِبُ وسوف أضرب، ولكن فيه خلاف ضعيف، والصحيح الجواز، وأنشدوا عليه : ٣٦١٥ - فَلَمَّا رَأتْهُ آمَناً هَانَ وجْدُهَا
وقَالَتْ أبُونَا سَوْفَ يَفْعَلُ
فـ " هَكَذَا " منصوب بـ " يَفْعَلُ " بعد (حرف التنفيس)، (وقال ابن عطية) : واللام في قوله :" لَسَوْفَ " مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى، كأن قائلاً قال للكافر :(إذا متُّ) يا فلان لسوف تخرج حيًّا، فقرر الكلام على الكلام على جهة الاستبعاد، وكرر اللام حكاية للقول الأول.
قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا التقدير، ولا أن هذا حكاية للقول الأول.
قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا التقدير، ولا أن هذا حكاية لكلام تقدم بل هو من كلام الكافر، وهو استفهام فيه معنى الجحد والاستبعاد.
وقال الزمخشري : فإن قيل : لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال، فكيف جامعت حرف الاستقبال ؟ قلتُ : لم تجامعها إلاَّ مخلصة للتوكيد كما أخلصت الهمزة في يا الله للتعويض، واضْمَحَلَّ عنها معنى التعريف.
١٠٣
قال أبو حيان : وما ذكر من أن اللام تعطي " معنى " الحال مخالف فيه، فعلى مذهب من لا يرى ذلك يسقط السؤال، وأما قوله : كما أخلصت الهمزة.
فليس ذلك إلاَّ على مذهب من يزعم أن أصله : إله، وأما من يزعم أن أصله : لاه.
فلا تكون الهمزة فيه للتعويض " إذْ لم يحذف منه شيء، ولو قلنا : إنَّ أصله إله، وحذفت فاء الكلمة لم يتعين أن الهمزة فيه في النداء للتعويض "، إذ لو كانت عوضاً من المحذوف لثبتت دائماً في النداء وغيره، ولما جاز حذفها في النداء، قالوا : يا الله بحذفها، وقد نصوا على أن " قطع " همزة الوصل في النداء شاذ.
١٠٤