وقرأ الجمهور :" أءِذَا " بالاستفهام، وهو استبعاد كما تقدم.
وقرأ أبو ذكوان بخلاف عنه، وجماعة " إذَا " بهمزة واحدة على الخبر أو الاستفهام وحذف أداته للعلم بها، ولدلالة القراءة الأخرى عليها.
وقرأ طلحة بن مصرِّف " لسَأخرجُ " بالسين دون سوف.
هذا نقل الزمخشري عنه.
وغيره نقل " سَأخْرَجُ " دون لام الابتداء، وعلى هذه القراءة يكون العامل في الظرف نفس " أخْرَجُ "، ولا يمنع حرف التنفيس على الصحيح.
وقرأ العامة " أخْرَجُ " مبنياً للمفعول.
والحسن، وأبو حيوة " أخْرُجُ " مبنياً للفاعل.
و " حيًّا " حال مؤكدة، لأنَّ من لازم خروجه أن يكون حيًّا، وهو كقوله :﴿أُبْعَثُ حَيّاً﴾ [مريم : ٣٣].
فصل لما أمر بالعبادة والمصابرة عليها، فكأنَّ سائلاً سأل وقال : هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا، وأمَّا في الاخرة فقد أنكرها قوم، فلا بُدَّ من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى تظهر فائدة الاشتغال بالعيادة، فلهذا حكى الله - تعالى - قول منكري الحشر، فقال :﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ﴾ الآية : قالوا ذلك على سبيل افنكار والاستبعاد وذكروا في الإنسان وجهين :
١٠٥
أحدها : أن يكون المراد الجنس كقوله :﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ﴾ [الإنسان : ١].
فإن قيل : كلهم غير قائلين بذلك، فكيف يصح هذا القول ؟.
فالجواب من وجهين : الأول : أنَّ هذه المقولة لمَّا كانت موجودة في جنسهم صحَّ اسنادها إلى جميعهم، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناًَ، وإنما القاتل رجل منهم.
الثاني : أنَّ هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلاَّ أنَّ بعضهم تركه للدلالة القاطعة على صحة القول به.
القول الثاني : أنَّ المراد بالإنسان شخص معين، فقيل : أبيُّ بن خلف الجمحي.
وقيل : أبو جهل.
وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث.
ثم إن الله - تعالى - أقام للدلالة على صحة البعث فقال :﴿أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ﴾ الآية قرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وجماعة :" يَذْكُرُ " مضارع ذكر.
والباقون بالتشديد مضارع تذكَّر.
والأصل : يتذكر، فأدغمت التاء في الذال.
١٠٦
وقد قرأ بهذا الأصل وهو " يتذكَّر " أبيٌّ.
والهمزة في قوله :" أو لا يذكُرُ مؤخرة على حرف العطف تقديراً كما هو قول الجمهور وقد رجع الزمخشري إلى قول الجمهور هنا فقال : الواو عطفت " لا يذكُرُ " على " يَقُولُ " ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف " عليه " وحرف العطف.
ومذهبه : أن يقدر بين حرف العطف وهمزة الاستفهام جملة يعطف عليها ما بعدها.
وقد فعل هذا أعني الرجوع إلى قول الجمهور في سورة الأعراف كما نبَّه عليه في موضعه.
قوله :" مِنْ قَبْلُ " أي : من قبل بعضه، وقدره الزمخشري : من قبل الحالة التي هو فيها، " وهي حالة " بقائه.
فصل قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا
١٠٧
الاختصار ما قدروا عليه، إذ لا شك أنَّ اعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً، ونظيره قوله تعالى ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس : ٧٩]، وقوله :﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم : ٢٧] واحتجوا بهذه الآية على أنَّ المعدوم ليس بشيء، وهو ضعيف ؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض، وهذا المجموع ما كان شيئاً، ولكن لم قلت : إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئاً قبل كونه موجوداً فإن قيل : كيف أمر الله - تعالى - الإنسان بالتذكر مع أنَّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو ؟.
فالجواب : المراد أو لا يتفكر فيعلم خصوصاً إذا قرئ " أو لا يذَّكَّرُ " مشدداً، أما إذا قرئ " أو لا يذكُرُ " مخففاً، فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأنَّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حيًّا في الدنيا ثم صار حيًّا.
ثم إنه تعالى لما قرر المطلوب بالدليل أردفه بالتشديد فقال ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾ أي : لنجمعنهم في المعاد، يعني المشركين المنكرين للبعث مع الشياطين، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة.
وفائدة القسم أمران : أحدهما : أنَّ العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين.
والثاني : أنَّ في قسام الله - تعالى - باسمه مضافاً إلى رسول الله ﷺ رفعاً منه لشأنه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله :﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [الذاريات : ٢٣].
والواو في " والشَّياطين " يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى " مع " وهي بمعنى " مع " أوقع.
والمعنى، أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغروهم.
﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ﴾ أي : نحضرهم على أذل صورة لقوله :" جِثِيًّا " لأنَّ البارك على ركبتيه صورته الذليل، أو صورة العاجز.
١٠٨