وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين.
وحكى أبو البقاء عن الأخفش والكسائي أن مفعول " نَنْزعنَّ " :" مِنْ كُلِّ شيعةٍ " و " مِنْ " مزيدة، قال : وهما يجيزان زيادة " مِنْ " " في الواجب "، و " أيُّهُم " استفهام أي : لنَنْزِعَنَّ كُلَّ شيعةٍ.
وهذا مخالف في المعنى تخريج الجمهور، فإنَّ تخريجهم يؤدي إلى التبعيض، وهذا يؤدي إلى العموم، إلاَّ أن يجعل " مِنْ " لابتداء الغاية لا للتبعيض فيتفق التخريجان، وذهب الكسائي إلى أنَّ معنى " لنَنْزِعَنَّ " لنُنَادِينَّ، فعومل معاملته، فلم يعمل في " أيّ ".
قال المهدوي :" ونادى " يعلق إذا كان بعده جملة نصب، فيعمل في المعنى ولا يعمل في اللفظ.
وقال المبرد :" أيُّهُمْ " متعلق بـ " شيعةٍ " فلذلك ارتفع، والمعنى من الذين تسايعوا أيهم أشد، كأنهم يتبادرون إلى هذا.
" ويلزمه على هذا " أن يقدر مفعولاً لـ " ننزعنَّ " محذوفاً وقدر بعضهم في قول المبرد : من الذين تعاونوا فنظروا أيهم.
قال النحاس وهذا قول حسن.
وقد حكى الكسائي تشايعوا بمعنى
١١٣
تعاونوا قال شهاب الدين : وفي هذه العبارة المنسوبة للمبرد قلق، ولا بيَّن الناقل عنه وجه الرفع عن ماذا يكون، وبيَّنه أبو البقاء، لكن جعل " أيهم " فاعلاً لما تضمنه " شِيعَةٍ " " من معنى الفعل، قال : التقدير : لننزعن من كل " فريق يشيع أيهم.
وهي على هذا بمعنى " الذي "، ونقل الكوفيون أنَّ " أيُّهُم " في الآية بمعنى الشرط، والتقدير : إن اشتدَّ عتوهم أو لم يشتد، كما تقول : ضرب القوم أيهم غضب.
المعنى : إن غضبوا أو لم يغضبوا.
وقرأ طلحة بن مصرِّف " ومعاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء، وزائدة " عن الأعمش " أيُّهُمْ " نصباً.
فعلى هذه القراءة والتي قبلها ينبغي أن يكون مذهب سيبويه جواز إعرابها وبنائها، وهو المشهور عند النقلة عنه، " وقد نقل عنه " أنَّه يحتم بناءها.
قال النحاس : ما علمتُ أحداً من النحويين إلاَّ وقد خطَّأ سيبويه، " قال : وسمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : ما يبين لي أنَّ سيبويه " غلط في كتابه إلاَّ في موضعين هذا أحدهما.
قال : وقد أعرب سيبويه " أيًّا " وهي مفردة، لأنَّها تضاف فكيف يبينها مضافة.
وقال الجرميّ : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحداً يقول : لأضربن أيهم قائم، بالضم بل ينصب.
١١٤
قوله :" على الرَّحمنِ " متعلق بـ " أشَدُّ "، و " عِتِيًّا " منصوب على التمييز وهو محول عن المبتدأ، " إذ التقدير " : أيُّهُم هو عتوه أشد.
ولا بدَّ من محذوف يتم به الكلام، التقدير : فيلقيه في العذاب، أو فنبدأ بعذابه.
قال الزمخشري : فإن قلت : بم يتعلق " عَلَى "، و " البَاء "، فإن تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه.
قلتُ : هما للبيان لا للصلة، أو يتعلقان بأفعل، أي : عتوهم أشد على الرحمن، وصليهم أولى بالنار، كقولهم : هو أشد على خصمه، وهو أولى بكذا.
يعني بـ " عَلَى " قوله :: على الرَّحمنِ "، وبـ " الباء " قوله :" بالَّذِينَ هُمْ " وقوله : بالمصدرين.
يعني بهما " عتِيًّا " و " صِلِيًّا ".
" وأما كونه لا سبيل إليه "، فلأن المصدر في نية الموصول، ولا يتقدم معمول الموصول عليه " وجوَّز بعضهم " أن يكون " عِتِيًّا "، و " صليًّا " في هذه الآية مصدرين كما تقدم وجوَّز أن يكون جمع عاتٍ وصالٍ فانتصابهما على هذا الحال.
وعلى هذا يجوز أن يتعلق " عَلَى " و " الباء " بهما لزوال المحذوف المذكور.
قال المفسرون : معنى قوله :﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً﴾ أي أحق بدخول النار.
يقال : صَلِيَ يَصْلَى صُليًّا مثل لَقِيَ يَلْقَى لُقْيًّا، وصَلَى يَصْلِي صُليًّا مثل مَضَى يَمْضِي مُضيًّا، إذا دخل النار، وقَاسَى حرَّها.
قوله تعالى :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ الآية.
الواو في " وإنْ " فيها وجهان : أحدهما : أنها عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها.
وقال ابن عطية :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ قسم، والواو تقتضيه، ويفسره قول النبي ﷺ " من مات له ثلاث من
١١٥
الولد لم تمسه النار إلا تحله القسم " وأراد بالقسم قوله تعالى :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾.
قال أبو حيان :" وذهل عن " قول النحويين : إنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا كان الجواب باللام أو بـ " إنَّ "، والجواب هنا على زعمه بـ " إنْ " النافية، فلا يجوز حذف القسم على ما نصوا.
وقوله : والواو تقتضيه.
يدلُّ على أنها عنده واو القسم، ولا يذهب نَحْوِي إلى أنَّ مثل هذه الواو واو القسم، لأنَّهُ يلزم عن ذلك حذف المجرور وإبقاء الجاء، ولا يجوز بذلك إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه، كما أولوا في قولهم : نِعْمَ السًّيْرُ على بِئْسَ العيرُ.
أي : على عير بئس العير، وقول الشاعر :
٣٦١٨ - واللهِ مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُهْ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩٧