أي : بِلَيْل نام صاحبه، وهذه الآية ليست من هذا الضرب، إذ لم يحذف المقسم " به " وقامت صفته مقامه.
و " إنْ " حرف نفي، " و " مِنْكُم " صفة لمحذوف تقديره : وإن أحد منكم " ويجوز أن يكون التقدير : وإن منكم إلاَّ من هو واردها وقد تقدم لذلك نظائر.
والخطاب في قوله :: مِنْكُمْ " يحتمل الالتفات وعدمه.
١١٦
قال الزمخشري : التفات إلى الإنسان، ويعضده قراءة ابن مسعود وعكرمة، " وإنْ مِنْهُمْ " أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور.
والحَتْمُ : القضاءُ، والوجوب حَتْم، أي : أوجبه حتماص، ثم يطلق الحتم على الأمر المحتوم كقوله تعالى :﴿هَـذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان : ١١]، وهذا درهمٌ ضرب الأمير.
و " على ربِّك " متعلق بـ " حَتْم "، لأنَّه في معنى اسم المفعول ولذلك وصفه بـ " مَقْضِيًّا ".
فصل المعنى : وما منكم إلا واردها، والورود هو موافاة المكان.
وقيل القسم فيه مضمر، أي : والله ما منكم من أحد إلا واردها.
واختلفوا في معنى الورود هنا فقال ابن عباس والأكثرون : الورود ههنا هو الدخول، والكناية راجعة إلى النار، وقالوا : يدخلها البر والفاجر، ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها، ويدلُّ على أنَّ الورود هو الدخول قوله تعالى :﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود : ٩٨].
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنَّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول.
وقال نافع : ليس الورود الدخول، فتلى ابن عباس ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ أدخلها هؤلاء أم لا ؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها، وأنا أرجو أن يخرجني الله، وما أرى أن يخرجك منها بتكذيبك.
ويدلُّ عليه أيضاً قوله تعالى " ثُمَّ نُنَجِّي الذينَ اتَّقَوْا "، أي : ننجي من الواردين من اتقى، ولا يجوز أن يقول " ثُمَّ نُنجي الذين اتقول ونذر الظالمين فيها جثياً " إلاَّ
١١٧
والكل واردون.
والأخبار المروية دل على هذا القول، وهو ما " روي عن عبد الله بن رواحة قال : أخبر الله تعالى عن الورود ولم يخبر بالصد، فقال النبي ﷺ " يا ابن رواحة " اقرأ ما بعدها " ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا " فدلَّ على أنَّ ابن رواحة فهم من الورود الدخول، ولم ينكر عليه النبي ﷺ ذلك وعن جابر أنَّه سُئِلَ عن هذه الآية، فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" الورودُ الدخولُ، ولا يبقى بردٌّ ولا فاجرٌ إلا دخلها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً، حتى إن للنار ضجيجاً من بردها ".
وقيل : المراد من تقدم ذكره من الكفار، فكنى عنهم أولاً كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة.
قالوا : ولا يجوز أن يدخل الناء مؤمن أبداً لقوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَـائِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها، ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها.
وقوله :﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل : ٨٩].
والمراد في قوله :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ الحضور والرؤية لا الدخول، كقوله :﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص : ٢٣] أراد به الحضور.
وقال عكرمة : الآية في الكفار يدخلونها ولا يخرجون منها.
وقال ابن مسعود :﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ يعني القيامة والكناية راجعة إليها.
١١٨
وقال البغوي : والأول أصح، وعليه أهل السنة أنهم جميعاً يدخلون النار، ثم يخرج الله منها أهل الإيمان، لقوله تعالى :﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ﴾ أي : الشرك، وهم المؤمنون، والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه.
قوله :﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً﴾ أي : كان ورودكم جهنم حتماً لازماً مقضياً قضاه الله عليكم.
قوله :" ثُمَّ نُنَجِّي ".
قرأ العامة : ثُمَّ نُنَجِّي " بضم " ثُمَّ " على أنَّها العاطفة.
وقرأ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وابن مسعود، وابن عباس، وأبي، والجحدري ويعقوب " ثَمَّ " بفتحها على أنَّها الظرفية، ويكون منصوباً بما بعده، أي : هُناك نُنَجِّي الذين اتََّقَوا.
وقرأ الجمهور " نُنَجِّي " بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم من نجَّى مضعفاً.
وقرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن " نُنَجِي " من أنْجَى.
والفعل على هاتين القراءتين مضارع.
وقرأت فرقة " نُجِّي " بنون واحدة مضمومة وجيم مشددة، وهو على هذه
١١٩