الهمزة الأولى بقلبها ياء، وهو تخفيف قياسي.
" وقرأ ابنُ عباس أيضاً في رواية طلحة " وَرِياً " بياء فقط مخففة، ولها وجهان : أحدهما : أن يكون " أصلها كقراءة قالون، ثم خففت الكلمة بحذف إحدى الياءين، وهي الثانية، لأنَّ بها حصل الثقل، ولأنها لام الكلمة، والأواخر أحرى بالتغيير.
والثاني : أن يكون أصلها كقراءة حميد " وَرَيْئاً " بالقلب، ثم نقل حركة الهمزة إلى الياء قبلها، وحذف الهمزة على قاعدة تخفيف الهمزة بالنقل، فصار " وَرِياً " كما ترى.
وتجاسر بعضهم فجعل هذه القراءة لحناً، وليس اللاحن غيره، لخفاء توجيهها عليه.
وقرأ ابن عباس - أيضاً - وابن جبير وجماعة " وَزِياً " بزاي وياء مشددة.
والزِّيّ : البِزَّةُ الحسنة والآلات المجتمعة، لأنه من زَوَى كذا يَزْوِيهِ، أي : يجمعه، والمتزين يجمع الأشياء التي تزينه وتظهر زيَّه.
قوله :﴿مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ﴾.
" مَنْ " يجوز أن تكون شرطية، وهو الظاهر، وأن تكون موصولة، ودخلت الفاء في الخبر، لما تضمنه الموصول من معنى الشرط.
وقوله " : فَلْيَمْدُدْ " فيه وجهان :
١٢٧
أحدهما : أنه طلب على بابه، ومعناه الدعاء.
والثاني : لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر.
قال الزمخشري : أي : مدَّ له الرحمن بمعنى أمهلهُ " وأمْلَى له في العمر " فأخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك...
أو فيمد له في معنى الدعاء بأن يمهله الله وينفس في مدة حياته.
قوله :" حتَّى إذَا " في " حتَّى " هذه ما تقدم في نظائرها من كونها حرف جر أو حرف ابتداء، وإنَّما الشأن فيما هي غاية له في كلا القولين.
فقال الزمخشري : وفي هذه الآية وجهان : الأول : أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما، أي : قالوا :" أي الفَريقِيْنِ خيرٌ مقَاماً وأحْسَنُ نديًّا "، " حتَّى إذَا رَأوْا ما يُوعَدُون "، أي : لا يبرحون يقولون هذا القول، ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعد رأي العين.
فقوله :﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ مذكور في مقابلة قوله " خَيْرٌ مَقَاماً "، وأضْعَفُ جُنْداً " في مقابلة قولهم :" وأحْسَنُ نَدِيًّا ".
فبين تعالى أنَّهم عن ظنوا في الحال أنَّ مَنزلتهم أفضل من حيث فضلهم الله بالمقام والندي، فسيعلمون من بعد أنَّ المر بالضد من ذلك وأنَّهم شر مكاناً، فإنَّه لا مكان شر من النار والمناقشة في الحساب، " وأضْعَفُ جُنْداً " فقد كانوا يظنون وهم في الدنيا أنَّ اجتماعهم ينفع، فإذا رأوا أن لا ناصر لهم في الآخرة عرفوا عند ذلك أنهم كانوا في الدنيا مبطلين فيما ادعوه.
" ثم قال :" والثاني : أن تتصل بما يليها، والمعنى أنَّ الذين في الضلالة
١٢٨
ممدود لهم، ثم ذكر كلاماً كثيراً، ثم قال : إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين، أو يشاهدوا الساعة ومقدماتها، فإن قلت :" حتَّى " هذه ما هي ؟ قلتُ : هي التي تُحْكى بعدها الجمل، ألا ترى أنَّ الجملة الشرطية واقعة بعدها، وهي " إذَا رَأوْا ما يُوعَدُون فَسَيَعْلمُونَ " قال أبو حيان : مستبعداً الوجه الأول، وهو في غاية البعد، لطول الفصل بين قوله :: أيُّ الفَرِيقَيْنِ " وبين الغاية، وفيه الفصل بجملتي اعتراض، ولا يجيزه أبو علي.
وهذا الاستبعاد قريب.
وقال أبو البقاء :" حتَّى " تَحكي ما بعدها ههنا، وليست متعلقة بفعل.
قوله :﴿إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ تقدم الكلام في " إمَّا " من كونها حرف عطف أو لا، ولا خلاف أنَّ أحد معانيها التفصيل كما في الآية الكريمة.
و " العَذَابَ " و " السَّاعَةَ " بدلاً من قوله :" مَا يُوعَدُون " المنصوبة بـ " رَأوا "، و " فَسَيعْلَمُونِ " جواب الشرط.
" مَنْ هُو شرٌّ مكاناً " يجوز أن تكون " مَنْ " موصولة بمعنى " الَّذي "، ويكون مفعولاً لـ " يَعْلَمُونَ " ويجوز أن تكون استفهامية في محل رفع بالابتداء، و " هُوَ " مبتدأ ثان، و " شرٌّ " خبره، والمبتدأ والخبر خبر الأول، ويجوز أن تكون الجملة معلقة لفعل الرؤية، فالجملة في محل نصب على التعليق.
١٢٩
فصل قال المفسرون : مَدَّ له الرحمن، أي : أمهله، وأملى له في الأمر، فأخرج على لفظ الأمر ومعناه الخبر، أي : يدعه في طغيانه، ويمهله في كفره ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ﴾ وهو الأسر، والقتل في الدنيا، و " إمَّا السَّاعةَ " يعني القيامة، فيدخلون النار.
وقوله :" وإمَّا السَّاعة " يدلُّ على أنَّ المراد بالعذاب عذاب يحصل قبل يوم القيامة، فيحتمل أن يكون المراد به الأسر والقتل كما تقدم، ويحتمل أن يكون عذاب القبر، ويمكن أن يكون تغير أحوالهم من العز إلى الذُّل، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الصحة إلى المرض، ومن الأمن إلى الخوف.
" فَسَيَعْلمُونَ " عند ذلك " مَنْ هُو شرٌّ مكاناً " منزلاً، " وأضْعَفُ جُنْداً " أقل ناصراً، لأنَّهم في النار والمؤمنون في الجنة، وهذا ردٌّ عليهم في قولهم :" أيُّ الفريقَيْن خيرٌ مَقَاماً وأحْسَنُ نَدِيًّا ".