جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٢١
قوله تعالى :﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ الآية.
" أفَرَأيْتَ " عطف بالفاء إيذاناً بإفادة التعقيب، كأنه قيل : أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر
١٣١
عقيب أولئك.
وأرأيت بمعنى : أخبرني كما تقدم، والموصول هو المفعول الأول، والثاني هو الجملة الاستفهامية من قوله :" أطَّلع الغَيْبَ ".
و " لأوتَينَّ " جواب قسمٍ مضمر، والجملة القسمية كلها في محل نصب بالقول.
وقوله هنا " وولداً "، وفي آخر السورة :﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَداً﴾ [مريم : ٨٨] موضعان وفي الزخرف ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَـانِ وَلَدٌ﴾ [الآية : ٨١]، وفي نوح ﴿مَالُهُ وَوَلَدُهُ﴾ [الآية : ٢١].
وقرأ الأخوان الأربعة بضم الواو وسكون اللام، ووافقهما ابن كثير وأبو عمرو على الذي في نوح دون السورتين، والباقون وهم نافع وابن عامر وعاصم قرأوا ذلك كلَّه بفتح اللام والواو.
فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحة، وهو اسم مفرد قائم مقام الجمع.
وأما قراءة الضم والإسكان، فقيل : هي كالتي قبلها في المعنى، يقال : وَلَدٌ ووُلْدٌ كما يقال : عَربٌ وعُرْبٌ، وعدمٌ وعُدْمَ.
وقيل : بل هي جمع لـ " ولد " نحو أسَدٌ وأسْدٌ، " وأنشدوا على ذلك : ٣٦٢١ - ولقَد رَأيْتُ مَعَاشِراً
قَدْ ثَمَّرُوا مالاً ووُلدا "
وأنشدوا شاهداً على أن الوَلَد والوُلْدَ مترادفان قول الآخر :
١٣٢
٣٦٢٢ - فَلَيْتَ فُلاناً كان في بَطْنِ أمِّهِ
وليْتَ فُلاناً كانَ وُلْدَ حمارِ
وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر " ووِلْدا " بكسر الواو، وهي لغة الولد، ولا يبعد أن يكون هذا من باب الذبح والرئي، فيكون ولد بمعنى مولود، وكذلك في الذي بفتحتين نحو القبض بمعنى المقبوض.
قوله :" اطَّلَعَ " هذه همزة استفهام سقط من أجلها همزة وصل، وقد قُرئ بسقوطها درجاً، وكسرها ابتداء على أن همزة الاستفهام قد حذفت لدلالة " أمْ " عليها، كقوله : ٣٦٢٣ - لَعمركَ مَا أدْرِي وإنْ كُنْتَ دَارياً
بسَبْعٍ رمَيْنَ الجَمْرَ أمْ " بِثَمَانِ "
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٣١
و " أطَّلعَ " من قولهم : اطلع فلان الجبل، أي : ارتقى أعلاه.
٣٦٢٤ - لاقَيْتَ مُطَّلِعَ الجِبَالِ " وعُوراً "
١٣٣
و " الغَيْبَ " مفعول به، لا على إسقاط حرف الجر، أي : على الغيب، كما زعم بعضهم.
فصل لمَّا استدل على صحة البعث، وأورد شبهة المنكرين، وأجاب عنها ذكر عنهم ما قالوه استهزاء طعناً بالقول في الحشر فقال :﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾.
قال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها نزلت في العاص بن وائل، قال خباب بن الأرت : كان لي عليه دين، فأتيت أتقاضاه، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد.
فقلت : لا والله لا أكفر بمحمدٍ حيًّا ولا ميتاً.
وفي رواية : حتى تموت ثم تبعث.
فقال : وإنّي لميتٌ ثم مبعوثٌ ؟ قلت : نعم.
قال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً فأنا أقضيك ثمَّ، فإنه سيكون لي مالٌ وولد.
ثم قال تعالى :﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾.
" قال ابن عباس : أنظر في اللوح المحفوظ ".
وقال مجاهد : أعلمَ علن الغيب حتى يعلم افي الجنة هو أم لا ؟.
والمعنى : أنَّ الذي ادعى حصوله لا يتوصل إلاَّ بأحد هذين الطريقين : إمَّا علم الغيب، وإمَّا عهدٌ من عالم الغيب، فبأيهما توصل إليه.
قيل : العهد كلمة الشهادة.
وقال قتادة : عملاً صالحاً قدَّمه، فهو يرجو بذلك ما يقول.
وقال الكلبي : عهد إليه أن يدخله الجنة.
" كَلاَّ " للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب : أحدها : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش وأبي العباس أنها حرف ردع وزجر.
١٣٤
وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن، وما أحسن ما جاءت في هذه الآية حيث زجرت وردعت ذلك القائل.
والثاني : وهو مذهب النضر بن شميل أنها حرف تصديق بمعنى نعم، فيكون جواباً، ولا بد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظاً أو تقديراً، وقد تستعمل في القسم.
والثالث : وهو مذهب الكسائي، وأبي بكر بن الأنباري، " ونصر بن يوسف " وابن واصل أنها بمعنى حقًّا.
والرابع : وهو مذهب أبي عبد الله محمد بن الباهلي أنها رد لما قبلها.
وهذا قريب من معنى الردع.
الخامس : أنها صلة في الكلام بمعنى " إي " كذا قيل.
وفيه نظر، فإن " إي " حرف جواب، ولكنه مختص بالقسم.
١٣٥


الصفحة التالية
Icon