فصل يقال : انفطر الشيء وتفطَّر أي تشقَّق.


وقرأ ابن مسعود " يتصَدَّعْنَ ".
و " تَنْشَقُّ الأرْضُ " أي تخسفُ بهم، والانفطار في السماء، أي : تسقط عليهم.
" وتخُرُّ الجِبَالُ هدَّاً " أي : تُهَدُّ هَداً، بمعنى " تنطبق عليهم.
فإن قيل من أين يؤثر القول بإثبات الولد لله في انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ؟ فالجوابُ من وجوه :" الأول : أنَّ الله - تعالى - يقول : كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود " هذه الكلمة غضباً منِّي على من تفوَّه بها، لولا حلمي، وإني لا أعجِّل بالعقوبة، كقوله - تعالى - :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ [فاطر : ٤١].
الثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة، وتهويلاً من فظاعتها، وهدمها لأركان الدين وقواعده.
الثالث : أنَّ السمواتِ والأرضِ والجبال تكاد أن تفعل ذلك لو كانت تعقل من
١٥١
غلظ هذا القول، وهذا تأويل أبي مسلم.
الرابع : أنَّ السموات والأرض والجبال كانت سليمة من كل العيوب، فلما تكلم بنو آدم بهذا القول ظهرت العيوب فيها.
قوله :" هدَّا " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّه مصدر وفي مضع الحال، أبي : مهدودة، وذلك على أن يكون هذا المصدر من هدَّ زيدٌ الحائط يهدُّه هدَّا، أي :" هدمهُ ".
والثاني : وهو قول أبي جعفر : أنه مصدر على غير المصدر لما كان في معناه، لأن الخرور : السقوطُ والهدمُ، وهذا على أن يكون من هدَّ الحائطُ يَهِدُّ - بالكسر - انهدم، فيكون لازماً.
الثالث : أن يكون مفعولاً من أجله، قال الزمخشري : أي : لأنها تهد.
قوله :" أنْ دَعَواْ " في محله همسة أوجه : أحدها : أنه في محل نصب على المفعول من أجله، قاله أبو البقاء،
١٥٢
والحوفي، ولم يُبيِّنَا ما العامل فيه، ويجوز أن يكون العامل " تَكَادُ "، أو " تَخُرُّ "، أو " هَدَّا "، أي : تَهُدُّ لأن دعوا، ولكن شرطُ النصب هنا مفقود، وهو اتحاد " الفاعل في المفعول له والعامل فيه، فإن عنيا على أنه على إسقاط اللام مطرد في " أنْ " فقريب ".
وقال الزمخشري : وأن يكون منصوباً بتقدير سقوط اللام " وإفضاء الفعل، أي هدَّا أن دعوا "، علل الخرور بالهدِّ، والهدُّ بدعاء الولد للرحمن.
فهذا تصريح منه على أنه بإسقاط الخافض.
" وليس مفعولاً له صريحاً ".
الوجه الثاني : أن يكون مجروراً بعد إسقاط الخافض " كما هو مذهب الخليل والكسائي.
والثالث : أنه بدل من الضمير في " مِنْهُ " كقوله : ٣٦٢٩ - عَلَى حَالةٍ لوْ أنَّ في القَوْمِ حَاتِماً
عَلى جُودهِ لضن بالمَاءِ حاتمِ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٤١
١٥٣
" بجر " حاتم " الأخير بدلاً من الهاء في " جوده ".
قال أبو حيان : وهو بعيد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه بجملتين.
الوجه الرابع : أن يكون مرفوعاً بـ " هَدَّا ".
قال الزمخشري : أي هدَّهَا دعاءُ الولدِ للرحمن.
قال أبو حيان : وفيه بعدٌ، لأن الظاهر في " هَدَّا " أن يكون مصدراً توكيدياً، والمصدر التوكيدي لا يعمل، ولو فرضناه غير توكيدي لم يعمل بقياس إلا إذا كان أمراً، أو مستفهماً عنه نحو ضرباً زيداً، وأضربا زيداً ؟ على خلاف فيه، وأما إن كان خبراً كما قدَّره الزمخشري، أي : هدَّها دعاء الولد للرحمن.
فلا ينقاس، بل ما جاء من ذلك هو نادر كقول امرئ القيس : ٣٦٣٠ - وقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيُّهُمْ
يقُولونَ لا تَهْلَكْ أسّى وتجمَّلِ
أي : وقَفَ صَحْبِي.
الخامس : أنَّه خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره : الموجب لذلك دعاؤهم.
كذا قدره أبو البقاء.
و " دَعَا " يجوز أن يكون بمعنى سمَّى، فيتعدى لاثنين، ويجوز جر ثانيهما بالباء، قال الشاعر :
١٥٤
٣٦٣١ - دَعَتْنِي أخَاهَا أمُّ عَمْرٍو ولمْ أكُنْ
أخَاهَا ولَمْ أرْضَعْ لهَا بِلبَانِ
دَعَتْنِي أخَاهَا " بَعْدَمَا كَانَ بَيْنَنَا
مِنَ الفِعْلِ ما لا يفعلُ الأخوانِ "
وقول الآخر : ٣٦٣٢ - ألا رُبَّ مَنْ يُدْعَى نَصِيحاً وإن تَغِبْ
تَجِدْهُ بِغَيْبٍِ مِنْكَ غَيْرَ نَصِيحِ
وأولهما في الآية محذوف، قال الزمخشري : طلباً للعموم والإحاطة بكل ما يدعى له ولد، ويجوز أن يكون من " دَعَا " بمعنى نسب الذي مطاوعه ما في قوله - عليه السلام - :" مَنِ ادَّعى إلى غَيْرِ موالِيهِ "، وقول الشاعر : ٣٦٣٣ - إنَّا بَنِي نَهْشَلٍ لا نَدَّعِي لأب
عَنْهُ ولا هُوَ بالأبْنَاءِ يَشْرِينَا
لأي : لا ننتَسِبُ إليه.
" يَنْبَغِي " مضارع انْبَغَى، وانْبَغَى مطاوعٌ لبغى، أي : طلب، و " أنْ يتَّخِذَ " فاعله.
وقد عد ابن مالك " يَنْبَغِي " في الأفعال التي لا تتصرف.
وهو مردودٌ عليه، لأنه قد سُمِعَ فيه الماضي قالوا : انْبَغَى.
وكرَّر لفظ " الرَّحْمَنِ " تنبيهاً على أنه - تعالى - هو الرحمنُ وحدهُ، لأن أصول النعم وفروعها ليست إلا منه.
١٥٥


الصفحة التالية
Icon