والثاني : أن يكون صفة للموصول أيضاً.
قال أبو حيان : ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص كـ " مَنْ " و " مَا " لا يوصف منها إلاَّ الذي وحده، فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون صفة.
قال ذلك كالراد على الزمخشري.
والجملة في قوله :" عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى " خَبَر لقوله " الرَّحْمنُ " على القول : بأنه مبتدأ، أو خبر مبتدأ مضمر، إن قيل : إنه مرفوع على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءة مَنْ جرَّه.
وفاعل " اسْتَوَى " ضمير يعود على " الرَّحْمنُ ".
وقيل : بل فاعله " مَا " الموصولة بعده، أي : استوى الذي له ما في السموات قال أبو البقاء : وقال بعضُ الغلاةِ :" مَا " فاعل " اسْتَوَى "، وهذا بعيد، ثم هو غير نافع له في التأويل، إذ يبقى قوله :" الرَّحْمنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى " كلاماً تامّاً ومنه هرب.
قال شهابُ الدين : هذا يُروى عن ابن عبَّاس، وأنَّه كان يقفُ على لفظ " العَرْشِ " ثم يبتدئ بـ " اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ "، وهذا لا يصح عنه.
قوله : الثَّرَى : هو التراب النَّدِي، ولامه ياء بدليل تثنيته على ثَرَيَيْن وقولهم : ثَرِيَتْ الرضُ تَثْرَى ثَرًى.
والثَّرَى في انقطاع المودة، قال جرير : ٣٦٤٠ - فَلاَ تَنْبِشُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الثَّرَى
فَإنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ مُثْرِي
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٦٤
١٧٥
والثَّراء بِالمَد : كثرة المال، قال : ٣٦٤١ - أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتَى
إذَا حَشْرجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
وَما أَحسن قولَ ابن دُرَيد في قصيدته التي جمع فيها بن الممدود والمقصور باختلاف معنى.
فصل قال المفسرون : معنى " لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَمَا فِي الأرْضِ " لما شرح ملكه بقوله :" الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى "، والملك لا ينتظم إلا بالقدوة والعلم لا جرم عقبه بالقدرة ثم بالعلم.
أما القدرة فهي هذه الآية، والمعنى : أنه تعالى مالك لهذه الأقسام الأربعة فهو مالك لما في السموات من مَلَكٍ ونَجْم وغيرهما، ومالك لما في الأرض من المعادن والفلزات، ومالك لما بينهما من الهواء، ومالك لما تحت الثرى.
قال الضحاك :
١٧٦
يعني ما روى الثرى من شيء.
وقال ابن عباس : إن الأَرضينَ على ظهر النون، والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء اخضرت السموات منها.
وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قصة لقمان " فَتَطُنْ فِي صَخْرَةٍ "، والصخرة على قرن ثور، والثور على الثرى، و " مَا تَحْتَ الثَّرَى " لا يعلمه إلا الله تعالى.
وذلك الثور فاتح فاه، فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.
وأما العلم فقوله :" وَإنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإنَّهُ يَعْلَمُ الشِّرَّ وَأَخْفَى " قال الحسن السر : ما أسر الرجل إلى غيره، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه.
وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : السر ما تسر في نفسك، وأخفى من السر : ما يلقيه الله في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسَك لأنك تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم اليوم ولا تعلم ما تسر إذا، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر غدا.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : السِّرُّ ما أٍر ابن آدم في نفسه، وأخفى : ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه.
وقل مجاهد : السِّرُّ العمل الذي يُسِرُّ من الناس وأخفى : الوسوسة وقيل : السِّرُّ هو العزيمة (وأخفى : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه.
وقال زيد بن أسلم :" يَعْلَمُ السِّرَّ " وأخْفَى " أي : يعلم أسرار العباد، وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد.
قوله :" وَأخْفَى " جوزوا فيه وجهين : أحدهما : أنه أفعل تفضيل، أي : وأخفى من السر.
١٧٧
والثاني : أنه فعل ماض، أي : وأخفى عن عباده غيبه كقوله :" وَلاَ يُحيطُونَ بِهِ عِلْماً ".
قوله :" اللهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ " الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها، وإما خبر لمبتدأ محذوف، أي هو الله.
والحسنى تأنيثُ الحسنِ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة.
ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال :" اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى ".
فصل قالوا : كلمة " لا " ههنا دخلت على الماهية، فانتفت الماهية، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها.
وإنما " اللهُ " اسم علم للذات المعينة، إذ لو كان كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد.
وقالوا :" لاَ " استحقت عمل " إِنَّ " لمشابهتها لها من وجهين : الأول : ملازمة الأسماء.
والآخر : تناقضهما.
فإن أحدهما لتأكيد الثبوت، والآخر لتأكيد النفي، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم، وإذا كان كذلك، فنقول : لمَّا قالوا : إنَّ زيداً ذاهبٌ كان يجب أن يقولوا :(لا رجلاً ذاهب) إلاَّ أنهم بنوا " لا " مع ما دخل عليه من الاسم مفرداً واحداً فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توفيقاً
١٧٨


الصفحة التالية
Icon